الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تنفسخ الشركة بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه ، كالوكالة . ثم في صورة الموت ، إن لم يكن دين ولا وصية ، فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة [ ص: 284 ] إن كان رشيدا ، فإن كان موليا عليه لصغره أو جنونه ، فعل وليه ما فيه حظه من الأمرين . وإنما تتقرر الشركة بعقد مستأنف ، فإن كان على الميت دين ، فليس للوارث تقرير الشركة إلا بعد قضاء الدين . وإن كان هناك وصية لمعين فهو كأحد الورثة . فإن كان غير معين ، كالفقراء ، لم يصح تقرير الشركة حتى تخرج الوصية . ثم هو كما لو لم تكن وصية .

                                                                                                                                                                        الحكم الثالث : أن الربح بينهما على قدر المالين ، شرط ذلك أم لا ، تساويا في العمل أم تفاوتا . فإن شرطا التساوي في الربح مع التفاوت في المال ، أو التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، فسدت الشركة على المذهب ، وبه قطع الأصحاب . وحكى الإمام وجها آخر : أنها لا تفسد ، ويوزع الربح على قدر المالين . ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح ، فأطلق الجمهور لفظ الفساد ، وامتنع منه بعضهم لبقاء أكثر الأحكام . فلو اختص أحدهما بزيادة عمل ، وشرط له زيادة ربح ، فوجهان . أحدهما : صحة الشرط ، ويكون الزائد على حصة ملكه في مقابلة العمل ، ويتركب العقد من شركة وقراض . وأصحهما : المنع ، كما لو شرط التفاوت في الخسران ، فإنه يلغو ويوزع الخسران على المال ، ولا يصح جعله قراضا ، فإن هناك يقع العمل مختصا بمال المالك ، وهنا بملكيهما . ومتى فسد الشرط ، لم يؤثر في فساد التصرف ، لوجود الإذن ، ويكون الربح على نسبة المالين ، ويرجع كل واحد على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله . فإن تساويا في المال والعمل ، فنصف عمل كل واحد يقع في مقابلة ماله ، فلا أجرة فيه ، ونصفه في مال صاحبه ، ويستحق صاحبه مثل بدله عليه ، فيقع في التقاص . وإن تفاوتا في العمل مع استواء المال ، فساوى عمل أحدهما مائتين ، والآخر مائة . فإن كان عمل من شرط له الزيادة أكثر ، فنصف عمله مائة ، ونصف عمل صاحبه خمسون ، فيبقى له بعد التقاص خمسون . وإن كان عمل صاحبه أكثر ، ففي رجوعه بخمسين على من شرط له الزيادة وجهان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 285 ] أحدهما : الرجوع ، كما لو فسد القراض . وأصحهما : المنع . ويجري الوجهان ، فيما لو فسدت الشركة ، واختص أحدهما بأصل التصرف والعمل ، هل يرجع بنصف أجرة عمله على الآخر ؟ أما إذا تفاوتا في المال ، فكان لأحدهما ألف وللآخر ألفان ، وتفاوتا في العمل ، فعمل صاحب الأكثر أكثر ، بأن ساوى عمله مائتين ، وعمل الآخر مائة ، فثلثا عمله في ماله ، وثلثه في مال صاحبه ، وعمل صاحبه بالعكس ، فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين على الأقل ، ولصاحب الأقل ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، وقدرهما متفق ، فيقع في التقاص . وإن كان عمل صاحب الأقل أكثر ، والتفاوت كما صورنا ، فثلث عمل صاحب الأقل في ماله وثلثاه في مال صاحبه ، وثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله ، وثلثه في مال شريكه ، فيبقى لصاحب الأقل على الأكثر مائة بعد التقاص . ولو تساويا في العمل ، فلصاحب الأقل ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه ، فثلث تقاص ، ويبقى لصاحب الأقل ثلث المائة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ما ذكرناه من حكم الفساد عند تغيير نسبة الربح ، يجري في سائر أسباب فساد الشركة . لكن قال الإمام : لو لم يكن بين المالين شيوع ، وخلط ، فلا شركة هنا على التحقيق ، بل ثمن كل مال يختص بمالكه ، ولا يقع مشتركا . والكلام في الصحة والفساد ، إنما يكون بعد حصول نفس الشركة . وإن جرى توكيل من الجانبين ، لم يخف حكمه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية