الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة

                                                                                                                                                                        إحداها : أقر بجميع ما في يده وينسب إليه ، صح . فلو تنازعا في شيء ، هل كان في يده حينئذ ؟ فالقول قول المقر ، وعلى الآخر البينة . ولو قال : ليس لي مما في يدي إلا ألف ، صح وعمل بمقتضاه . ولو قال : لا حق لي في شيء مما في يد فلان ، ثم ادعى شيئا وقال : لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار ، صدق بيمينه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 392 ] الثانية : قال : لفلان علي درهم أو دينار ، لزمه أحدهما ، وطولب بتعيينه . وقيل : لا يلزمه شيء ، وهو ضعيف جدا .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قال : له علي ألف ، أو على زيد أو على عمرو ، لم يلزمه شيء . وكذا لو قال على سبيل الإقرار : أنت طالق ، أو لا ، وإن ذكره في معرض الإنشاء ، طلقت ، كما لو قال : أنت طالق طلاقا لا يقع عليك .

                                                                                                                                                                        الرابعة : قال : لزيد علي ألف درهم ، وإلا فلعمرو علي ألف دينار ، لزمه ألف درهم لزيد ، وكلامه الآخر للتأكيد .

                                                                                                                                                                        الخامسة : الإقرار المطلق ، ملزم ، ويؤاخذ به المقر على الصحيح المعروف . وخرج وجه : أنه لا يلزم حتى يسأل المقر عن سبب اللزوم ؛ لأن الأصل براءة الذمة ، والإقرار ليس موجبا في نفسه ، وأسباب الوجوب مختلف فيها . وربما ظن ما ليس بموجب موجبا ، وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل ، وكما لو أقر بأن فلانا وارثه ، لا يقبل حتى يبين جهة الإرث .

                                                                                                                                                                        السادسة : قال : وهبت لك كذا وخرجت منه إليك ، فالأصح أن لا يكون مقرا بالإقباض ، لجواز أن يريد الخروج منه بالهبة . وقال القفال والشاشي : هو إقرار بالإقباض ؛ لأنه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ منه .

                                                                                                                                                                        السابعة : أقر الأب بعين مال لابنه ، فيمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ، ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع وهو الهبة ، فهل له الرجوع ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم ، وبه أفتى القاضيان : أبو الطيب ، والماوردي ، تنزيلا للإقرار على أضعف الملكين ، وأدنى السببين ، كما ينزل على أقل المقدارين .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا ، قاله أبو عاصم العبادي ؛ لأن الأصل بقاء الملك للمقر له . ويمكن أن يتوسط فيقال : إن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن ، فالأمر على ما قال القاضيان ، وإن أقر بالملك المطلق ، فالأمر كما قال العبادي .

                                                                                                                                                                        [ ص: 393 ] الثامنة : أقر في صك بأنه لا دعوى له على زيد ، ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثم قال : إنما أردت به : في عمامته وقميصه ، لا في داره وبستانه . قال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف : هذا موضع تردد ، والقياس قبوله ؛ لأن غايته تخصيص عموم ، وهو محتمل .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا ضعيف وفاسد .

                                                                                                                                                                        والصواب : أنه لا يقبل في ظاهر الحكم ، لكن المختار أن له تحليف المقر له : أنه لا يعلم أنه قصد ذلك ، ولعل هذا مراد القاضي . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية