الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الثالث : فدية الوطء يجب به بدنة ، فإن لم يجدها صام عشرة أيام : ثلاثة في الحج ، وسبعة إذا رجع كدم المتعة ، لقضاء الصحابة به . وقال القاضي : إن لم يجد البدنة ، أخرج بقرة ، فإن لم يجد ، فسبعا من الغنم ، فإن لم يجد أخرج بقيمتها طعاما ، فإن لم يجد ، صام عن كل مد يوما . وظاهر كلام الخرقي أنه مخير بين هذه الخمسة ، فبأيها كفر ، أجزأه ويجب بالوطء في الفرج بدنة إن كان في الحج ، وشاة إن كان في العمرة ، ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة ، وإن كانت مكرهة ، فلا فدية عليها وقيل : يلزمها كفارة يتحملها الزوج عنها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الثالث : فدية الوطء يجب به بدنة ) ، نص عليه ، لقول الصحابة ، وكسائر المحظورات ( فإن لم يجدها صام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج ، وسبعة إذا رجع كدم المتعة ؛ لقضاء الصحابة به ) وقد تقدم ، وروى الأثرم أن العبادلة أفتوا به ، ( وقال القاضي إن لم يجد البدنة أخرج بقرة ) ; لأنها تشاركه في الهدي والأضاحي ، وقد روى أبو الزبير عن جابر قال : كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له : والبقرة فقال : وهل هي إلا من البدن ؛ ( فإن لم يجد فسبعا من الغنم ) لقيامها مقامها في الأضاحي فإن لم يجد أخرج بقيمتها أي : قيمة البدنة ( طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ) كجزاء الصيد في أنه لا ينتقل إلى الإطعام مع وجود المثل ، ولا إلى الصيام مع القدرة على الإطعام ، وهذا رواية ، والمذهب خلافها ، وما تقدم صريح في الترتيب ، وأنه لا ينتقل إلى خصلة إلا عند تعذر التي قبلها . ( وظاهر كلام الخرقي أنه مخير بين هذه الخمسة فبأيها كفر أجزأه ) ; لأنها كفارة تجب بفعل محظور فكان مخيرا فيها كفدية الأذى ، وعلل ابن المنجا فقال : بعضها قريب من بعض ، وذكر في " النهاية " أن منشأ الخلاف بين الخرقي ، والقاضي أن الوطء هل هو من قبيل الاستمتاعات أو الاستهلاكات فإن كان الأول فهي على التخيير كالطيب ، وإن كان الثاني فهي على الترتيب كقتل الصيد فإن كفارته على الترتيب على الصحيح ، وفيه شيء ، وقد عورض المؤلف فيما نقله [ ص: 180 ] عن الخرقي فإنه لم يصرح في " مختصره " إلا بإجزاء سبع من الغنم مع وجود البدنة ، واعتذر عنه في " الشرح " بأن يكون بعض الأصحاب نقله عنه في غير كتابه وفيه بحث .

                                                                                                                          تنبيه : ما ذكره المؤلف : من الانتقال إلى الصوم إذا عدم البدنة هو الصحيح من المذهب ، واعترضه ابن المنجا ، وقال : لم يجد قولا لأحمد ولا لأحد من الأصحاب ، وأورد عليه ما ذكره في " المغني " في المحرم إذا جامع فإنه يفسد حجهما وعليه وعلى المجامع أخرى ، روي عن ابن عباس فإن لم يجد فشاة ، وبأن المروي عن العبادلة إنما هو إذا عدم الهدي ; لأنه لا يقال لمن عدم البدنة : عدم الهدي ; لأنه قد يجد بقرة أو شاة ، وفيه نظر ; لأنه نص على البدنة تبعا للمروي عن بعض الصحابة ، وبأن البقرة قائمة مقامها ، والسبع من الغنم كذلك

                                                                                                                          ( ويجب بالوطء في الفرج أن كان في الحج ) لقول ابن عباس ، ( وشاة إن كان في العمرة ) ; لأنها النسكين فوجب أن يجب بالوطء فيها شيء كالآخر ، وإنما كان شاة ; لأن حكم العمرة أخف ، ( ويجب على المرأة مثل ذلك ) أي مثل ما على الرجل ( إن كانت مطاوعة ) نقله الجماعة ، وروي عن ابن عباس ، وجمع ، لوجود الجماع منهما بدليل الحد ، ولأنهما اشتركا في السبب الموجب كما لو قتلا رجلا ، وكنفقة القضاء ، ولأنه آكد من الصوم . وعنه : يجزئهما هدي واحد ; لأنه جماع واحد ، وعنه : لا فدية عليها ، ذكرها وصححها جماعة ; لأنه لا وطء منها وكالصوم ، وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها ، نص عليه ، لقوله - عليه السلام - : رفع عن [ ص: 181 ] أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، ولأنه لا يضاف إليه الفعل وكالصوم ، وعنه : يلزمها كالمطاوعة ، ( وقيل ) هذا رواية عن أحمد ( يلزمها كفارة ) لحصول الوطء ( يتحملها الزوج عنها ) ; لأن الإفساد منه فوجب أن يلزمه كإفساد حجه ، وكنفقة القضاء ، نقل الأثرم على الزوج حملها ، ولو طلقت ، وتزوجت بغيره ، ويخير الزوج الثاني على أن يدعها ، وأغرب في " الروضة " فقال : المكرهة يفسد صومها ، ولا يلزمها كفارة ، ولا يفسد حجها ، وعليها بدنة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية