الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يخرج إلى الصفا من بابه ، ويسعى سبعا يبدأ بالصفا ، فيرقى عليه حتى يرى البيت ، فيستقبله ، ويكبر ثلاثا ، ويقول : الحمد لله على ما هدانا ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده . لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . ثم يلبي ويدعو بما أحب ، ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يأتي العلم ، فيسعى سعيا شديدا إلى العلم ، ثم يمشي حتى يأتي المروة ، فيفعل عليها مثل ما فعل على الصفا ، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ، ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية ، وبالرجوع سعية يفتتح بالصفا ويختم بالمروة ، فإن بدأ بالمروة ، لم يحتسب بذلك الشوط . ويستحب أن يسعى طاهرا مستترا متواليا ، وعنه : أن ذلك من شرائطه والمرأة لا ترقاه ولا ترمل . وإذا فرغ من السعي ، فإن كان معتمرا قصر من شعره وتحلل إلا أن يكون المتمتع قد ساق هديا فلا يحل حتى يحج . ومن كان متمتعا قطع التلبية إذا دخل البيت .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يخرج إلى الصفا ) بالقصر ، وهي في الأصل الحجارة الصلبة ، والآن ثم مكان معروف عند باب المسجد ( من بابه ويسعى سبعا يبدأ بالصفا فيرقى عليه ) وليس بواجب ; لأنه لو تركه فلا شيء عليه ( حتى يرى البيت فيستقبله ، ويكبر ثلاثا ، ويقول : الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) اقتصر عليه في " الفروع " وليس فيه يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وزاد ويقول ذلك ثلاثا ، لفعله - عليه السلام - فإنه رقى على الصفا وقرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله [ البقرة : 158 ] [ ص: 225 ] نبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا " والأحزاب : هم الذين تحزبوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق ، وهم قريش ، وغطفان ، واليهود ( لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ، ولو كره الكافرون ) ; لأن ابن عمر كان يزيده على ما سبق . رواه إسماعيل عن أيوب عن نافع عنه ( ثم يلبي ) ; لأنه - عليه السلام - لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . وظاهره أنه لا يلبي على الصفا لعدم فعله ، وما ذكره محمول على غير المتمتع ; لأنه يقطعها إذا استلم الحجر كما يأتي ، ويدعو بما أحب لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ، ورفع يديه فجعل يحمد الله ، ويدعو بما شاء أن يدعو . رواه مسلم ، ولأنه موضع ترجى فيه الإجابة . وظاهره أنه لا يرفع يديه ، والظاهر بلى ، للخبر ( ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يأتي العلم ) وهو الميل الأخضر في ركن المسجد قال في " الشرح " وغيره : إذا كان منه نحو ستة أذرع قال في " الفروع " : وهو أظهر ( فيسعى سعيا شديدا إلى العلم ) وهو الميل الأخضر حذاء دار العباس . وظاهره أنه لا يرمل بينهما ، وقاله جماعة كالمؤلف وهو أظهر ، وقيل : بلى لوروده في الخبر ( ثم يمشي حتى يأتي المروة ) وهي في الأصل الحجارة البيض البراقة التي يقدح منها النار ، والآن هو المكان المعروف بطرف السعي ( فيفعل عليها مثل ما فعل على الصفا ) من الاستقبال والتكبير والتهليل والدعاء ( ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ، ويسعى في موضع سعيه بفعل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية ، وبالرجوع سعية ) لفعله - عليه [ ص: 226 ] السلام - كذلك . رواه مسلم من حديث جابر ، ويكثر الدعاء ، والذكر من ذلك . قال أحمد : كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة ، قال : رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم . وقد روى الترمذي ، وصححه مرفوعا : إنما جعل السعي بينهما لإقامة ذكر الله - تعالى ويجب استيعاب ما بينهما فيلصق عقبه بأصلهما ، فلو ترك بينهما شيئا ، ولو ذراعا لم يجزئه حتى يأتي به ، والأولى أن يرقى كما مر ( يفتتح بالصفا ) لقوله نبدأ بما بدأ الله به ، وعن ابن عباس أنه قرأ الآية ، وقال : نبدأ بالصفا اتبعوا القرآن فما بدأ به القرآن فابدءوا به ويختم بالمروة لقول جابر : فلما كان آخر طوافه قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، ولأنه يلزم من البداءة به الختم بها ( فإن بدأ بالمروة ، لم يحتسب بذلك الشوط ) لمخالفة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره فعلى هذا إذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي بعده .

                                                                                                                          ( ويستحب أن يسعى طاهرا ) من الحدث والنجاسة كبقية المناسك في قول الأكثر ، ولأنه عبادة لا تتعلق بالبيت كالوقوف بعرفة ( مستترا ) ; لأنه إذا لم يشترط الطهارة مع آكديتها فغيرها أولى ( متواليا ) في ظاهر كلام أحمد ، وهو الأصح ; لأنه لا تعلق له بالبيت فلم يشترط له الموالاة كالرمي والحلق ، ( وعنه : أن ذلك من شرائطه ) وقاله القاضي في الموالاة ; لأن السعي أحد الطوافين فاشترط فيه ذلك كالطواف بالبيت قال في " الشرح " : ولا عمل عليه .

                                                                                                                          تنبيه : ظاهره أن السعي بعد الطواف ، فلو عكس لم يجزئه ، نص عليه ، وعنه : بلى سهوا وجهلا ، وعنه : مطلقا ، وعنه : مع دم ، وفي شرط النية قاله في " المذهب " و " المحرر " وزاد : وأن لا يقدمه على أشهر الحج . وظاهر كلام الأكثر خلافهما ، وصرح به أبو الخطاب في الأخيرة أنه لا يعرف منعه [ ص: 227 ] عن أحمد .

                                                                                                                          ( والمرأة لا ترقاه ) لئلا تزاحم الرجال ، ولأنه أستر لها ، ( ولا ترمل ) حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه ; لأنه يقصد لها الستر ، وفيما ذكر انكشاف لها ، وكذا لا تسعى سعيا شديدا بين العلمين ، ولا يسن فيه اضطباع ، نص عليه .

                                                                                                                          ( وإذا فرغ من السعي ، فإن كان معتمرا ، قصر من شعره ، وتحلل ) ; لأنه - عليه السلام - اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجه ، وكان يحل إذا سعى . وظاهره أن التقصير له أفضل من الحلق ، نص عليه ، للأمر به في حديث جابر ، وليتوفر الحلق للحج ، وفي " المستوعب " و " الترغيب " حلقه ، وفي كلامه إشعار بالمبادرة إلى ذلك ، ولاشك في استحبابه ، فلو أحرم بالحج قبل التقصير ، وقلنا : هو نسك صار قارنا فإن تركهما ، فعليه دم ، إن قلنا هما نسك ، فإن وطئ قبله ، فعليه دم ، وعمرته صحيحة ( إلا أن يكون المتمتع قد ساق هديا فلا يحل حتى يحج ) بل يقيم على إحرامه ويدخل عليها الحج بعد طوافه وسعيه لها ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا يوم النحر ، نص عليه ، لحديث ابن عمر ، وعائشة . متفق عليهما ، وعنه : من لبد رأسه أو صفره ، جزم به في " الكافي " هو بمنزلة من ساق الهدي ، لحديث حفصة ، وقيل : يحل كمن لم يهد ، وهو ظاهر ما نقله يوسف بن موسى ، وعنه : إن قدم في العشر ، لم ينحر الهدي حتى ينحره يوم النحر ، وإن قدم قبل العشر نحر الهدي فدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر ، حل ، وإن كان معه هدي ، وإن كان فيه لم يحل ، واستثناء المتمتع دليل عمومه ( ومن كان متمتعا قطع التلبية إذا دخل البيت ) والمراد : [ ص: 228 ] إذا استلم الحجر الأسود ، نص عليه ، لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر . رواه الترمذي وصححه . أي : شرع في الطواف ، ولأن التلبية إجابة إلى العبادة وشعار الإقامة عليها ، والأخذ في التحلل ينافيها ، وهو يحصل بالطواف ، والسعي فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل فيقطعها كما يقطع الحاج التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة لحصول التحلل به . وظاهره اختصاص القطع بالمتمتع كالخرقي ، و " الوجيز " وليس كذلك ; لأن الحكم يستوي فيه المتمتع وغيره من المعتمرين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية