الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وهو من الجبل المشرف على عرنة من الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر ، ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكبا وقيل : الراجل أفضل . ويكثر من الدعاء ، ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، ويسر لي أمري ، ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت ولو لحظة وهو مسلم بالغ عاقل فقد تم حجه ، ومن فاته ذلك ، فاته الحج . ومن وقف بها نهارا ودفع قبل غروب الشمس ، فعليه دم وإن وافاها ليلا ، فوقف بها ، فلا دم عليه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ) لقوله - عليه السلام - كل عرفة موقف ، وارفعوا عن بطن عرنة . رواه ابن ماجه ، ولأنه لم يقف بعرفة فلم تجزئه ، كما لو وقف بمزدلفة ، وحكاه ابن المنذر إجماع الفقهاء ، ( وهو ) أي : حد عرنة ( من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة لها إلى ما يلي حوائط بني عامر ) لقوله - عليه السلام - : كونوا على مشاعركم فإنكم اليوم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم ( ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة ) واسمه " إلال " على وزن هلال ( راكبا ) مستقبل القبلة لقول جابر : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل بطن ناقته [ ص: 232 ] القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة . ولأن الركوب أعون له على الدعاء ، ولا يشرع صعوده إجماعا ، قاله الشيخ تقي الدين ( وقيل : الراجل أفضل ) ، اختاره ابن عقيل وأبو يعلى الصغير ، وهو ظاهر كلام ابن الجوزي ، روى ابن ماجه عن ابن عباس أن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يدخلون الحرم مشاة ، ويطوفون بالبيت ، ويقضون المناسك مشاة ، وروي أن آدم حج أربعين مرة من الهند على رجليه ذكره ابن الجوزي ، وعن ابن عباس مرفوعا : من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل : له وما حسنات الحرم قال : بكل حسنة مائة ألف حسنة ولأنه أخف على الراحلة ، وكسائر المناسك والعبادات ، وركوبه - عليه السلام - ليعلمهم المناسك ، ويروه فإنها عبادة . وقيل : سواء . وقال الغزالي والشيخ ابن تيمية : يختلف ذلك بحسب الناس .

                                                                                                                          ( ويكثر من الدعاء ) رافعا يديه ، نص عليه ؛ لأنه يوم ترجى فيه الإجابة ، ( و ) يكثر ( من قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ) لما روى علي مرفوعا : أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وذكره إلا قوله : بيده الخير ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير . رواه الترمذي ، وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، [ ص: 233 ] له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير قيل : له هذا ثناء ، وليس بدعاء فقال : أما سمعت قول الشاعر


                                                                                                                          أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما
                                                                                                                          كفاه من تعرضه الثناء

                                                                                                                          .

                                                                                                                          ( اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، ويسر لي أمري ) روي ذلك عنه - عليه السلام - وفي " المحرر " ك " المقنع " وفي " الفروع " الاقتصار على حديث عمرو بن شعيب ، وفي " الوجيز " : يدعو بما ورد فمنه ما روي عنه - عليه السلام - أنه دعا فقال : اللهم إنك ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خشعت لك رقبته ، وذل لك جسده ، وفاضت لك عينه ، ورغم لك أنفه .

                                                                                                                          ( ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر ) لما روى عروة بن مضرس الطائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من شهد صلاتنا هذه حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، ولفظه له ، ورواه الحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث ، ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة ، فكان وقتا للوقوف كما بعد الزوال ، وترك الوقوف فيه لا يمنع كونه وقتا كما بعد العشاء ، وإنما ذلك [ ص: 234 ] وقت الفضيلة ، وقال ابن بطة وأبو حفص العكبري ، وهو رواية : أوله من الزوال يوم عرفة ، وحكاه ابن المنذر ، والقرطبي إجماعا ، وفيه نظر .

                                                                                                                          ( فمن حصل بعرفة في شيء من هذا الوقت ، ولو لحظة ، وهو مسلم بالغ عاقل فقد تم حجه ) سواء كان جالسا أو قائما راكبا أو راجلا ، ولو نائما ، صححه صاحب " التلخيص " وجزم به المؤلف ، أو مارا مجتازا ولم يعلم أنها عرفة في الأصح ، فلا يصح من سكران ، ومغمى عليه في المنصوص بخلاف إحرام وطواف .

                                                                                                                          ويتوجه : في سعي مثله ، ولا مجنون بخلاف رمي جمار ومبيت ( ومن فاته ذلك فاته الحج ) بغير خلاف نعلمه ، وسنده قوله - عليه السلام - الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه . رواه أبو داود ، ولأنه ركن للعبادة فلم يتم بدونه كسائر العبادات .

                                                                                                                          فرع : إذا كان بينه وبين الموقف مقدار صلاة ، صلاها صلاة خائف في الأظهر ، اختاره الشيخ تقي الدين ، وقيل : يقدم الصلاة ، وقيل : عكسه ، ( ومن وقف بها ) أي : بعرفة نهارا ، ( ووقع قبل غروب الشمس فعليه دم ) أي : يجب عليه الوقوف بها إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في ذلك ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بها حتى غربت الشمس . رواه مسلم من حديث جابر ، وقال : خذوا عني مناسككم . وظاهره صحة حجه في قول الجماهير إلا مالكا فإنه قال : لا حج له قال ابن عبد البر : لا نعلم أحدا من العلماء قال بقوله ، وممن أوجب الدم أكثر العلماء ، لقول ابن عباس من ترك نسكا فعليه دم ، ويجزئه شاة ، ومحله إذا لم يعد قبل الغروب إليها ، وفي " الإيضاح " : قبل الفجر [ ص: 235 ] وقيل : إن عاد مطلقا ، وفي " الواضح " : ولا عذر ، وعنه : لا يلزمه دم لواقف ليلا ، وعنه : يلزم من دفع قبل الإمام لفعل الصحابة ( وإن وافاها ليلا فوقف بها ، فلا دم عليه ) وحجه تام بغير خلاف نعلمه لقوله - عليه السلام - : من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ، ولأنه لم يدرك جزءا من النهار فلم يلزمه شيء كمن منزله دون الميقات وأحرم منه




                                                                                                                          الخدمات العلمية