الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وما أخذ من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة . وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها فيها ، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال ، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم الذين يستعدون للقتال . فأما المريض العاجز عن القتال ، والمخذل والمرجف ، والفرس الضعيف العجيف فلا حق له وإذا لحق مدد ، أو هرب أسير ، فأدركوا الحرب قبل تقضيها ، أسهم لهم ، وإن جاءوا بعد إحراز الغنيمة ، فلا شيء لهم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وما أخذ من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة ) لأنه مال حصل الاستيلاء عليه قهرا ، فكان غنيمة كسائر أموالهم . ومحله ما إذا قدر على الركاز بجماعة المسلمين ؛ لأنه حصل بقوتهم بخلاف ما إذا قدر عليه بنفسه ، فهو له بعد الخمس . صرح به في " المغني " و " الشرح " .

                                                                                                                          وقوله : مباح له قيمة في أرض الحرب ، كالصيود والخشب ، فإن احتاج إلى أكله والانتفاع به ، فله ذلك كطعامهم ، ولا يرده . فإن كان المباح لا قيمة له في أرضهم كالمسن والأقلام ، فله أخذه ، وهو أحق به ، وإن صار له قيمة بعد ذلك .

                                                                                                                          فرع : إذا وجد لقطة في دارهم ، فإن كانت للمسلمين فهو كما لو وجدها في دار الإسلام ، وإن كانت للمشركين فهي غنيمة ، وإن احتمل الأمرين ، عرفها حولا في بلد المسلمين ، ثم جعلها في الغنيمة . نص عليه .

                                                                                                                          ( وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ) لأنها مال مباح فملكت [ ص: 359 ] بالاستيلاء عليها كسائر المباحات . يؤيده أنه لا ينفذ عتقهم في رقيقهم الذين حصلوا في الغنيمة ، ولا يصح تصرفهم فيه ، ولأنه لو أسلم عبد الحربي ولحق بجيش المسلمين صار حرا ، وفي " الانتصار " و " عيون المسائل " باستيلاء تام لا في فور الهزيمة للبس الأمر ، هل هو حيلة أو ضعف ، وفي " البلغة " كذلك ، وأنه ظاهر كلامه ، والمنصوص عن أحمد ، وعليه أكثر الأصحاب أن مجرد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفار عنها كاف . وقال القاضي في " خلافه " : لا يملك بدون اختيار التمليك . وتردد في الملك قبل القسمة هل هو باق للكفار ، أو أنه انقطع ؛ وله فوائد .

                                                                                                                          منها : جريانه في حول الزكاة ، فإن كانت الغنيمة أجناسا ، لم ينعقد عليها حول بدون الغنيمة ، وإن كانت جنسا واحدا ، فوجهان .

                                                                                                                          ومنها : لو أعتق أحد الغانمين رقيقا من المغنم بعد ثبوت رقه ، أو كان فيهم من يعتق عليه بالملك ، عتق إن كان بقدر حقه ، وإن كان دونه ، فكمن أعتق شقصا في عبد .

                                                                                                                          ومنها : لو أسقط الغانم حقه منها قبل القسمة ، فبعضهم بناه على الخلاف ، فإن قلنا : تملكوها . لم يسقط ، وإلا سقط ، وجزم جماعة منهم صاحب " الترغيب " و " المحرر " أنه يسقط مطلقا لضعف الملك ، زاد في " الفروع " : ولو مفلسا ، وفي سفيه وجهان ، ويرد على من بقي ، وإن أسقط الكل حقهم صارت فيئا .

                                                                                                                          ومنها : لو شهد أحد الغانمين بشيء من المغنم قبل القسمة ، فإن قلنا : ملكوه ، [ ص: 360 ] لم تقبل ، وإلا قبلت . ذكره القاضي ، وقال الشيخ تقي الدين : في قبولها نظر . وإن قلنا : لم يملكوا ؛ لأنها شهادة تجر نفعا ( ويجوز قسمها فيها ) في المنصوص ، وهو قول أكثر العلماء ، لما روى أبو إسحاق قال : قلت للأوزاعي : هل قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا من الغنائم في المدينة ؛ قال : لا أعلمه ، وقسم - عليه السلام - غنائم بني المصطلق على مياههم ، وغنائم حنين بأوطاس ، ولأنهم تملكوها بالاستيلاء ، فجاز قسمها فيها ؛ لأن الاستيلاء التام هو إحرازها بدار الإسلام .

                                                                                                                          فرع : إذا وكل الأمير في شراء شيء منها لنفسه ، فإن جهل وكيله ، صح ، وإلا حرم . نص عليه ، واحتج أن عمر رد ما اشتراه ابن عمر في قصة جلولاء للمحاباة ( وهي لمن شهد الوقعة ) لما روى الشافعي : حدثنا الثقة ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب أن عمر قال : الغنيمة لمن شهد الوقعة . قال : الخطيب قال علي بن الحسين العكلي : الرجل الذي لم يسمه الشافعي أحمد بن حنبل . ورواه سعيد بن منصور أيضا ( من أهل القتال ) حتى من منع منه لريبة أو منعه الأب ومن بعثه الأمير لمصلحة كرسول ، وجاسوس ، ومن خلفه الأمير في بلاد العدو ، ولو لمرض ، وغزا ، ولم يمر بهم فرجعوا ، نص عليه . ( قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر ) ويدخل فيه الخياط ، والخباز ، والبيطار ، ونحوهم ( وأجراؤهم الذين يستعدون للقتال ) ومعهم السلاح ، ولأنه ردء للمقاتل باستعداده ، أشبه المقاتل . وظاهره أنهم إذا لم يكونوا مستعدين للقتال أنه لا يسهم لهم ، إذ لا نفع في حضورهم كالمخذل ، وعلم منه أنه يسهم لأمير الخدمة على الأصح ، وقيده القاضي وغيره إذا قصد الجهاد . [ ص: 361 ] وحمل المجد إسهام النبي - صلى الله عليه وسلم - لسلمة ، وكان أجيرا لطلحة . - رواه مسلم - على أجير قصد مع الخدمة الجهاد . وفي " الموجز " هل يسهم لتجار عسكر وأهل سوقه ومستأجر مع جندي كركابي ، وسائس أم يرضخ ؛ فيه روايتان .

                                                                                                                          ( فأما المريض العاجز عن القتال ) أي : لا حق له فيها ؛ لأنه ليس من أهل الجهاد كالعبد . وظاهره أن المرض إذا لم يمنع من القتال ، كالحمى والصداع أنه لا يسقط سهمه ؛ لأنه من أهل الجهاد ، ويعين برأيه وتكثيره ودعائه . ( والمخذل والمرجف ) ولو قاتلا ؛ لأن ضررهما أكثر من نفعهما . ( والفرس الضعيف العجيف فلا حق له ) لأنه لا نفع فيه . وظاهره ولو شهد عليه الوقعة ، ولأن الإمام يملك منعه ، فلم يسهم له كالمخذل ، وفيه وجه يسهم له كالمريض ، والفرق واضح ، وحكم الكافر والعبد إذا لم يؤذن لهما . ومنهي عن حضوره كذلك ، والأصح : أو بلا إذنه ، ولا يرضخ لهم لأنهم عصاة ، وكذا من هرب من اثنين . ذكره في " الروضة " بخلاف غريم . ( وإذا لحق مدد ) هو ما أمددت به قوما في الحرب أو ( هرب أسير ) أو أسلم كافر ، أو بلغ صبي ، أو عتق عبد ( فأدركوا الحرب قبل تقضيها أسهم لهم ) لقول عمر ، ولأنهم شاركوا الغانمين في السبب فشاركوهم في الاستحقاق ، كما لو كان ذلك قبل الحرب ، وكذا إذا صار رجل فارسا ، وعكسه . وظاهره أنه يسهم لهم وإن لم يقاتلوا ( وإن جاءوا بعد إحراز الغنيمة فلا شيء لهم ) قال الخرقي : لأن به يحصل تمام الاستيلاء ، وقال القاضي : يملك الغنيمة بانقضاء الحرب ، وإن لم يحرز ، وجزم به في " المحرر " وقدمه في " الفروع " لما روى أبو هريرة أن أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه قدموا على [ ص: 362 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله . فقال : اجلس يا أبان ، ولم يقسم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه أبو داود ، ولأنهم لم يشهدوا الوقعة ، كما لو أدركوا قبل القسمة ، فلو لحقهم عدو ، وقاتل المدد معهم حتى سلموا الغنيمة ، فلا شيء لهم ؛ لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابها ؛ لأن الغنيمة في أيديهم ، وحوزها . نقله الميموني .



                                                                                                                          الخدمات العلمية