الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإذا أراد القسمة ، بدأ بالأسلاب ، فدفعها إلى أهلها ، ثم أخرج أجرة الذين جمعوا الغنيمة ، وحملوها وحفظوها ، ثم يخمس الباقي ، فيقسم خمسه على خمسة أسهم : سهم لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - يصرف مصرف الفيء . وسهم لذوي القربى ، وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا للذكر مثل حظ الأنثيين ، غنيهم وفقيرهم فيه سواء ، وسهم لليتامى الفقراء ، وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من المسلمين ثم يعطي النفل بعد ذلك ، ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد والنساء والصبيان . وفي الكافر روايتان : إحداهما : يرضخ له ، والأخرى : يسهم له ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ، ولا للفارس سهم فارس ، فإن تغير حالهم قبل تقضي الحرب أسهم لهم ، وإذا غزا العبد على فرس لسيده ، قسم للفرس ، ورضخ للعبد .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإذا أراد القسمة ، بدأ بالأسلاب ، فدفعها إلى أهلها ) لأن القاتل يستحقها غير مخموسة ، فإن كان فيها مال لمسلم أو ذمي ، دفع إليه ؛ لأن صاحبه متعين . ( ثم أخرج ) من الباقي ( أجرة الذين جمعوا الغنيمة وحملوها وحفظوها ) . قاله جماعة ؛ لأنه من مصلحة الغنيمة ، وإعطاء جعل من دله على مصلحة كطريق ونحوه ( ثم يخمس الباقي ) . هذه طريقة الأكثر ؛ لأنه استحق بحضور الوقعة ، أشبه سهام الغانمين . وقيل : يقدم الرضخ عليه ( فيقسم خمسه على خمسة أسهم ) ، نص عليه ، لقوله - تعالى - واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية [ الأنفال : 41 ] ومقتضاها أن يقسم على ستة أسهم ، وجوابه : أن سهم الله - تعالى - ورسوله كالشيء الواحد لقوله - تعالى - والله ورسوله أحق أن يرضوه [ التوبة : 62 ] وأن الجهة جهة مصلحة ( سهم لله تعالى ) وذكر اسمه للتبرك ؛ لأن الدنيا والآخرة له ( ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - يصرف مصرف الفيء ) لقوله - عليه السلام - ليس لي من الفيء إلا الخمس ، وهو مردود عليكم . رواه سعيد . ولا يكون مردودا علينا إلا إذا صرف في مصالحنا . وفي " الانتصار " : هو لمن يلي الخلافة بعده ، وقاله طائفة من العلماء لما روى أبو الطفيل قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فقال أبو بكر : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده ، وإني رأيت أن أرده على المسلمين [ ص: 363 ] . رواه أبو داود ، وعنه : في أهل الديوان ؛ لأنه - عليه السلام - استحقه لحصول النصرة ، فيكون لمن يقوم مقامه فيها ، وعنه : في الخيل والسلاح ، روي عن أبي بكر وعمر ، وعنه : سقط بموته عليه السلام . ويرد على الأنصباء الباقية من الخمس ، لأنهم شركاؤه ، وقيل : يرد على الغانمين كالتركة إذا أخرج منها وصية ثم بطلت ، فإنها ترد إلى التركة . والصحيح أنه باق في مصالح المسلمين . وكان - عليه السلام - يصنع بهذا السهم ما شاء ، ذكره في " المغني " .

                                                                                                                          فائدة : كان له - عليه السلام - من المغنم الصفي ، وهو شيء يختاره منها قبل القسمة كجارية وعبد وثوب ، وسيف ، ونحوه ، وانقطع ذلك بموته بغير خلاف نعلمه ، إلا أبا ثور ، فإنه زعم أنه باق للأئمة بعده ، ويجعله مجعل سهمه - عليه السلام . ( وسهم لذوي القربى ) للآية ، ولأنه - عليه السلام - جعل سهمهم في بني هاشم ، وبني المطلب " . رواه أبو داود بإسناد صحيح . وهو ثابت بعد موته - عليه السلام - لم ينقطع ؛ لأنه لم يأت ناسخ ولا مغير ( وهم بنو هاشم وبنو المطلب ) ابنا عبد مناف ، لما روى جبير بن مطعم قال : قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، وقال : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد . وفي رواية لم يفارقوا في جاهلية ولا إسلام . رواه أحمد والبخاري بمعناه . فرعى لهم نصرتهم وموافقتهم لبني هاشم . ولا يستحق من كانت أمه منهم ، وأبوه من غيرهم ؛ لأنه - عليه السلام - لم يدفع إلى أقارب أمه من بني زهرة ، ولا إلى بني عماته كالزبير . ويفرق عليهم ( حيث كانوا ) لأنه مستحق بالقرابة ، فوجب كونه لهم [ ص: 364 ] حيث كانوا حسب الإمكان كالتركة للذكر مثل حظ الأنثيين هذا رواية عن أحمد ، وهي اختيار الخرقي ، وجزم بها في " الوجيز " ؛ لأنه مال استحق بقرابة الأب ، ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث . وعنه : يساوي بينهما . قاله طائفة من العلماء ، لأنهم أعطوا باسم القرابة فاستووا فيه ، كما لو وقف على قرابة فلان ، وأطلق في " المحرر " و " الفروع " الخلاف ، ويسوي بين الصغير والكبير بلا خلاف . ( غنيهم وفقيرهم فيه سواء ) لأنه - عليه السلام - لم يخص فقراء قرابته ، بل أعطى الغني ، كالعباس وغيره ، مع أن شرط الفقر ينافي ظاهر الآية ، ولأنه يؤخذ بالقرابة ، فاستويا فيه كالميراث . وقال أبو إسحاق بن شاقلا : يختص بفقرائهم كبقية السهام . قال في " الشرح " : ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منع عثمان وجبيرا لما سألاه سهمهما بيسارهما وانتفاء فقرهما ، فإن لم يأخذوه صرف في الكراع والسلاح ، لفعل أبي بكر وعمر . وظاهره لا شيء لمواليهم ، وصرح به في " المحرر " و " الفروع " لأنهم ليسوا منهم . ( وسهم لليتامى ) وهم من لا أب له ، ولم يبلغ الحلم ، لقوله : لا يتم بعد احتلام . ( الفقراء ) هذا هو الأشهر ؛ لأن اسم اليتم في العرف للرحمة ، ومن أعطي لذلك ، اعتبرت فيه الحاجة ، بخلاف القرابة ، مع أن المؤلف قال : لا أعلم هذا نصا عن أحد . وقيل : والغني أيضا لعموم الآية . ( وسهم للمساكين ) وهم أهل الحاجة ويدخل فيهم الفقراء لأنهما صنف واحد في غير الزكاة . ( وسهم لأبناء السبيل من المسلمين ) قيد في الكل ؛ لأن الخمس عطية من الله فلم يكن لكافر فيها حق كالزكاة ، ويعطى هؤلاء بما تقدم في الزكاة . وفي " الواضح " يعطى كل واحد خمسين درهما أو خمسة [ ص: 365 ] دنانير . وظاهره أنه يعم بسهام من ذكر جميع البلاد ، فيبعث الإمام عماله في الأقاليم . وصحح في " المغني " أنه لا يجب التعميم ؛ لأنه متعذر .

                                                                                                                          فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده ، وفي " الانتصار " : يكفي واحد من الأصناف الثلاثة ، وذوي القربى إن لم يمكنه ، واختار الشيخ تقي الدين إعطاء الإمام من شاء منهم للمصلحة كزكاة . وأن الخمس والفيء واحد يصرف في المصالح ( ثم يعطى النفل ) وهو الزيادة على السهم للمصلحة ؛ لأنه حق ينفرد به بعض الغانمين ، فقدم على القسمة كالأسلاب ( بعد ذلك ) أي : بعد الخمس ، لما روى معن بن زائدة مرفوعا لا نفل إلا بعد الخمس . رواه أبو داود ، ولأنه مال استحق بالتحريض على القتال ، فكان من أربعة أخماس الغنيمة . ( ويرضخ لمن لا سهم له ) لأنه استحق بحضور الوقعة ، فكان بعد الخمس كسهام الغانمين ، وفيه وجه أنه من أصل الغنيمة ؛ لأنه استحق للمعاونة في تحصيل الغنيمة ، أشبه أجرة الحمل ، وقيل : من سهم المصالح ( وهم العبيد ) لما روى عمير مولى آبي اللحم قال : شهدت خيبر مع سادتي ، فكلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ، فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من المتاع . رواه أحمد ، واحتج به ، ولأنهم ليسوا من أهل وجوب القتال كالصبي .

                                                                                                                          فرع : المدبر والمكاتب كالقن ومن بعضه حر ، فبحسابه ( والنساء ) لما روى ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ، ولم يضرب لهن بسهم . رواه مسلم ، وما روي أنه أسهم للمرأة ، فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما ، ويحتمل أنه أسهم لها في شيء خاص لا مطلقا ، والخنثى كامرأة ، ويحتمل [ ص: 366 ] أن يقسم له نصف سهم ، ونصف رضخ ، كالميراث . قاله في " المغني " و " الشرح " ( والصبيان ) لما روى سعيد بن المسيب قال : كان الصبيان يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو ، والمراد : إذا كان مميزا ، جزم به في " المحرر " وقدمه في " الفروع " ولأنه ليس من أهل القتال كالعبد ، وقيل : مراهقا . ( وفي الكافر روايتان : إحداهما : يرضخ له ) قدمها في " المحرر " وجزم بها في " الوجيز " ؛ لأنه ليس من أهل الجهاد ، فرضخ له كالعبد . ( والأخرى : يسهم له ) كمسلم اختارها الخلال والخرقي والقاضي ، وقدمها في " الفروع " ونصرها في " المغني " و " الشرح " ( ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ، ولا للفارس سهم فارس ) لأن السهم أكمل من الرضخ فلم يبلغ به إليه كما لا يبلغ بالتعزير الحد ، ولا بالحكومة دية العضو ، ويقسم الإمام الرضخ على ما يراه من المصلحة من تفضيل ، وتسوية ، ولا تجب التسوية فيه كأهل السهمان ؛ لأن السهم منصوص عليه ، غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف كالحدود بخلاف الرضخ . ( فإن تغير حالهم قبل تقضي الحرب ) بأن بلغ الصبي ، أو عتق العبد ، أو أسلم الكافر . ( أسهم لهم ) لقول عمر ، ولأنهم شهدوا الوقعة ، وهم من أهل القتال فأسهم لهم كغيرهم ( وإن غزا العبد على فرس لسيده ، قسم للفرس ) سهمان كفرس الحر ؛ لأنه فرس حضر الوقعة ، وقوتل عليه ، فأسهم له ، كما لو كان السيد راكبه . وهذا إن لم يكن مع سيده فرسان . ( ورضخ للعبد ) نص عليه ، وهما لمالكهما ، ويعايا بها ، فيقال : يستحق السهم والرضخ ، وإن لم يحضر القتال فظاهره أن الصبي إذا غزا على فرس ، أو المرأة ، أو الكافر . وقلنا : لا سهم له ، لم يسهم للفرس ، بل يرضخ له ولفرسه ما لا يبلغ سهم الفارس ، بخلاف المخذل والمرجف إذا .



                                                                                                                          الخدمات العلمية