الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 194 ] فصل في صفة الغسل

                                                                                                                          وهو ضربان : كامل يأتي فيه بعشرة أشياء : النية والتسمية ، وغسل يديه ثلاثا ، وغسل ما به من أذى ، والوضوء ، ويحثي بالماء على رأسه ثلاثا يروي بها أصول الشعر ، ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا ، ويبدأ بشقه الأيمن ، ويدلك بدنه بيده ، وينتقل من موضعه فيغسل قدميه ومجزئ . وهو أن يغسل ما به من أذى ، وينوي ، ويعم بدنه بالغسل ويتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع . فإن أسبغ بدونهما أجزأه وإذا اغتسل ينوي الطهارتين ، أجزأ عنهما . وعنه : لا يجزئه حتى يتوضأ ، ويستحب للجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطء ثانيا أن يغسل فرجه ويتوضأ .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل في صفة الغسل .

                                                                                                                          لما تمم الكلام على الواجب والمستحب ، شرع في بيان صفته ، والعلم بالموصوف متقدم على العلم بالصفة ( وهو ضربان : كامل ) سمي كاملا لاشتماله على الواجبات والسنن ( يأتي فيه بعشرة أشياء ) وكذا في " المحرر " و " الوجيز " وجعلها في " الكافي " تسعة ، وفيه حديث عائشة ، وميمونة متفق عليهما .

                                                                                                                          ( النية ) وهو أن ينوي رفع الحدث ، أو استباحة ما لا يشرع إلا به ، كقراءة القرآن ، ونحوها ( والتسمية ) قال أصحابنا : هي هنا كالوضوء قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى ، وفي " المغني " أن حكمها هنا أخف ، لأن حديث التسمية إنما تناول بصريحه الوضوء لا غير ، انتهى ، ويتوجه عكسه ، لأن غسل الجنابة وضوء وزيادة ، ولم يذكرها الخرقي هنا نظرا للحدثين ( وغسل يديه ثلاثا ) كما في الوضوء ، لكن هنا آكد باعتبار رفع الحدث عنهما بذلك ، ولفعله عليه السلام في حديث ميمونة : فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ، ويكون قبل إدخالهما الإناء ، ذكره في " الكافي " وغيره .

                                                                                                                          ( وغسل ما به من أذى ) لحديث عائشة ، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ، وظاهره لا فرق بين أن يكون على فرجه ، أو بقية بدنه ، نجسا كان ، كما صرح به في " المحرر " أو طاهرا مستقذرا كالمني كما ذكره بعضهم ، وهو المراد بقوله في " الوجيز " و " الفروع " وغسل ما لوثه .

                                                                                                                          [ ص: 195 ] ( والوضوء ) الكامل لقوله عليه السلام : ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وعنه : يؤخر غسل رجليه لحديث ميمونة : ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه وعنه : هما سواء لمجيء السنة بهما ، والعمل على الأول ، لحديث عائشة ، لأنه إخبار عن غالب فعله ، وميمونة أخبرت عن غسل واحد .

                                                                                                                          ( ويحثي ) يقال : حثوت ، أحثو حثوا ، كغزوت ، وحثيت أحثي حثيا كرميت ( بالماء على رأسه ثلاثا ) يعني : بالماء لقول ميمونة : ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ( يروي بها ) في كل مرة ( أصول الشعر ) لقول عائشة : ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ، ولقوله عليه السلام : تحت كل شعرة جنابة ، فاغسلوا الشعر ، وأنقوا البشرة رواه أبو داود .

                                                                                                                          ( ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا ) لقول عائشة رضي الله عنها : ثم أفاض على سائر جسده ، ولقول ميمونة رضي الله عنها : ثم غسل سائر جسده ، وما ذكره من التثليث فيه هو الصحيح ، وجزم به في " المحرر " و " الوجيز " وقيل : مرة ، ولم يرجح في " الفروع " شيئا ( ويبدأ بشقه الأيمن ) لأنه عليه السلام كان يعجبه التيامن في طهوره ( ويدلك بدنه بيده ) لأنه أنقى ، وبه يتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ، وبه يخرج من الخلاف .

                                                                                                                          ( وينتقل من موضعه ) فيعيد ( غسل قدميه ) لقول ميمونة : ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه وقيل : لا يعيد غسلهما إلا لطين ، ونحوه كالوضوء ، وعنه : [ ص: 196 ] يخير لورودهما ، وظاهر إحدى روايات حديث عائشة : أنه جمع بينهما ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، قاله الزركشي .

                                                                                                                          فرع : يستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ، ولحيته بماء قبل إفاضته عليه ، قاله في " المغني " و " الشرح " .

                                                                                                                          ويكفي ظن وصول الماء إلى ما يجب غسله أو مسحه ، قال بعضهم : ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء .



                                                                                                                          ( ومجزئ ) أي : كاف ( وهو أن يغسل ما به من أذى ) ظاهره يقتضي أن صحة الغسل متوقفة على الحكم بزوال النجاسة ، سواء كانت على فرجه أو غيره ، وهو ظاهر كلام " المستوعب " وقد تبعا أبا الخطاب ، لكن عبارته أبين ، فإنه قال : يغسل فرجه ، ثم ينوي ، وكذا قال ابن عبدوس ، ومنهم من حمل كلامهما على ما قال أبو الخطاب ، ويكون المراد به الاستنجاء بشرط تقدمه على الغسل ، كما هو في الوضوء ، لكن قال الزركشي : يشكل هذا على المؤلف ، فإنه اختار ثم إنه لا يجب تقديم الاستنجاء ، وعلى الخرقي : بأنه لا بد من تقدمه ، وظاهر المذهب : أنه لا يشترط ذلك في المجزئ ، فعلى هذا يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة ، وصرح به ابن عقيل ، وهو المشهور ، ونص أحمد أن الحدث لا يرتفع إلا مع آخر غسلة طهرت المحل فيعضد الأول ، ثم هل يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة أو لا يرتفع إلا مع الحكم بزوالها ؛ فيه قولان . ثم محلهما ما لم تكن النجاسة كثيفة تمنع وصول الماء ، فإن منعته فلا ( وينوي ) أي : يقصد رفع الحدث ، أو استباحة أمر لا يباح إلا بها كمس المصحف ( ويعم بدنه بالغسل ) لقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة 6 ] ، ولما روى جابر : أن أناسا [ ص: 197 ] قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوا عن غسل الجنابة ، وقالوا : إنا بأرض باردة ، فقال : إنما يكفي أحدكم أن يحفن على رأسه ثلاث حفنات رواه مسلم ، وظاهره : الاجتزاء بالتطهير ، والاغتسال من غير وضوء .

                                                                                                                          والمراد بتعميمه الظاهر جميعه ، وما في حكمه ، من غير ضرر كالفم والأنف ، وتركهما هنا اعتمادا على ما سبق ، وصرح به الخرقي ، وأن يغسل البشرة التي تحت الشعور كالرأس ، واللحية ، وإن كانت كثة ، وذكر الدينوري أن باطن اللحية الكثة في الجنابة كالوضوء .

                                                                                                                          ويجب غسل الشعر ظاهره ، وباطنه مع مسترسله في ظاهر قول أصحابنا .

                                                                                                                          والثانية : لا يجب غسل المسترسل ، ورجحه في " المغني " و " الشرح " فعلى الأول : إن ترك غسل شيء منه لم يتم غسله ، فلو غسله ثم تقطع لم يجب غسل موضع القطع ، ولم يتعرض المؤلف لنقض الشعر ، والمنصوص : أنه يجب نقضه في الحيض ، قال في " الشرح " : رواية واحدة لقول عائشة رضي الله عنها : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها - وكانت حائضا - انقضي شعرك ، واغتسلي .

                                                                                                                          رواه ابن ماجه بإسناد صحيح ، وعن أم سلمة رضي الله عنها نحوه رواه مسلم ، لأن مدة الحيض تطول فيتلبد ، فشرع النقض طريقا موصلا إلى وصول الماء إلى أصول الشعر ولا يتكرر ، بخلاف الجنابة ، وعنه : لا يجب كالجنابة ، وصححه في " المغني " و " الشرح " واختاره ابن عبدوس ، وابن عقيل في التذكرة ، وروى مسلم من رواية عبد الرزاق عن أم سلمة : أفأنقضه من [ ص: 198 ] الحيض والجنابة ؛ قال : لا ، وفيه وجه : يجب كالحيض ، وقيده ابن الزاغوني بما إذا طال وتلبد ، والنفساء كالحائض ، أما إذا كان على رأس إحداهن ما يمنع وصول الماء كالسدر ، ونحوه ، وجب نقضه ، والرجل كالمرأة ، ذكره في " المغني " ، وكذا يجب غسل حشفة الأقلف إذا أمكن تشميرها ، كما يجب تطهيرها من النجاسة بخلاف الرتق ، وكذا ما يظهر من فرجها عند قعودها لحاجتها ، لأنه يمكن تطهيره من غير ضرر ، كحشفة الأقلف ، ونص أحمد : أنه لا يجب غسله مطلقا ، لأنه من الباطن أشبه الحلقوم ، وكذلك يثبت الفطر بحصول الحشفة فيه ، لكن حمله القاضي على ما عمق منه ، ظاهره : أنه لا تسمية - وقد تقدمت - ولا ترتيب ، وهو كذلك اتفاقا ، قال أحمد : إذا انغمس الجنب مرة واحدة ، ثم تمضمض ، واستنشق أجزأه بخلاف المحدث ، ولا موالاة على الأصح للحاجة إلى تفريقه كثيرا ، ولكثرة المشقة بإعادته ، ولخبر اللمعة ، وحيث فاتت الموالاة فيه أو في وضوء ، وقلنا : يجوز ، فلا بد للإمام من نية مستأنفة بناء على أن من شرط النية الحكمية قرب الفعل منها ، كحالة الابتداء ، فدل على الخلاف . ولا دلك ، وقد أوجبه مالك حيث يناله ، لأنه لا يقال : اغتسل إلا لمن دلك نفسه ، ولأنها طهارة عن حدث ، فوجب فيها إمرار اليد كالتيمم ، مع أن أحمد قال في رواية أبي داود ، وسأله رجل عن إمرار اليد فقال : إذا اغتسل بماء بارد في الشتاء أمر يده ، لأن الماء ينزلق عن البدن في الشتاء ، والجواب عن التيمم بأنه أمرنا بالمسح ، ويتعذر في الغالب إمرار التراب بغير اليد ، فإن علم أن الماء لم يصل إلى محله ، فيجب ، كباطن الشعور الكثيفة .

                                                                                                                          [ ص: 199 ] تذنيب : يستحب السدر في غسل الحيض ، وظاهر نقل الميموني ، وكلام ابن عقيل : يجب ، وأن تأخذ مسكا فتجعله في قطنة أو شيء ، وتجعلها في فرجها بعد غسلها ، فإن لم تجد فطيبا ، فإن لم يكن فطينا ، ولم يذكره المؤلف ، ليقطع الرائحة ، وقال أحمد : غسل حائض ونفساء ، كميت . قال القاضي في " الجامع " معناه : يجب مرة ، ويستحب ثلاثا ، ويكون السدر والطيب كغسل الميت .



                                                                                                                          ( ويتوضأ بالمد ) وهو رطل وثلث عراقي ، وبالدرهم : مائة وواحد وسبعون درهما ، وثلاثة أسباع درهم ( ويغتسل بالصاع ) وهو أربعة أمداد ، فيكون خمسة أرطال وثلثا بالعراقي ، نص عليه ، لما روى أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع متفق عليه ، وقال لكعب : أطعم ستة مساكين فرقا من طعام قال أبو عبيدة : لا اختلاف بين الناس أعلمه أن الفرق ثلاثة آصع ، والفرق : ستة عشر رطلا بالعراقي ، وأومأ أحمد في رواية ابن مشيش أنه ثمانية أرطال من الماء ، اختاره في " الخلاف " ، و " منتهى الغاية " لا مطلقا .

                                                                                                                          تنبيه : الرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم ، وهو تسعون مثقالا ، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ، هكذا كان قديما ، ثم إنهم زادوا فيه مثقالا فجعلوه أحدا وتسعين مثقالا ، وكمل مائة وثلاثين درهما ، وقصدوا بذلك زوال الكسر ، والعمل على الأول ، لأنه الذي كان وقت تقدير العلماء المد به ، وهو بالدمشقي : ثلاثة أواق ، وثلاثة أسباع أوقية ، والصاع : رطل وأوقية ، وخمسة أسباع أوقية ، وإن شئت : رطل وسبع رطل ( فإن أسبغ بدونهما أجزأه ) في المنصوص ، لحديث عائشة ، قالت : كنت أغتسل أنا والنبي [ ص: 200 ] - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك رواه مسلم ، وفي كراهته وجهان ، وذكر ابن تميم أن أحمد أومأ إلى عدم الإجزاء لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يجزئ من الوضوء المد ، ومن الغسل الصاع رواه أحمد ، والأثرم ، فدل على أنه لا يحصل الإجزاء بدونه .

                                                                                                                          وجوابه أن الله تعالى أمر بالغسل ، وقد أتى به ، فوجب أن يجزئه بدليل حديث عائشة ، وبما روت أم عمارة بنت كعب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ، فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد رواه أبو داود ، والنسائي ، وحديثهم يدل بمفهومه ، وهذا بالمنطوق ، وهو مقدم عليه اتفاقا .

                                                                                                                          مسألة : إذا زاد على ذلك جاز ، لكن يكره الإسراف والزيادة الكثيرة فيه ، قاله في " المغني " و " الشرح " لما روى ابن عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على سعد ، وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف ؛ فقال : أفي الماء إسراف ؛ قال : نعم ، وإن كنت على نهر جار رواه ابن ماجه .



                                                                                                                          ( وإذا اغتسل ينوي الطهارتين ) وقال الأزجي والشيخ تقي الدين ( أجزأ عنهما ) على المنصوص ، ولم يلزمه ترتيب ، ولا موالاة ، لأن الله تعالى أمر الجنب بالتطهير ، ولم يأمر معه بوضوء ، ولأنهما عبادتان ، فتداخلا في الفعل دون النية ، كما تدخل العمرة في الحج ، ولا يرد غسل الحائض الجنب ، لأن موجبهما واحد ( وعنه : لا يجزئه ) عن الأصغر ( حتى يتوضأ ) قبل الغسل ، [ ص: 201 ] أو بعده ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ لما اغتسل ، وفعله يفسر الآية ، ولأنهما عبادتان مختلفتا القدر ، والصفة فلم تتداخلا ، كالحدود ، والكفارات ، وقال أبو بكر : يتداخلان إذا أتى بخصائص الصغرى ، وهي الترتيب ، والموالاة ، والمسح ، فلو غسل وجهه ، ثم يديه ، ثم مسح رأسه حين أفاض عليه الماء ، ثم غسل رجليه أجزأه ، والأول : أصح لقول الله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا [ النساء 43 ] فجعل الاغتسال نهاية المنع من الصلاة ، فيجب إذا اغتسل أن تجوز له الصلاة ، لا يقال : النهي هنا عن قربان مواضع الصلاة ، وذلك يزول بالاغتسال ، لأنا نقول : هو نهي عن الصلاة ، وعن مسجدها ، ولا يجوز حمله على المسجد فقط ، لأن سبب نزول الآية صلاة من صلى بهم ، وخلط في القراءة ، وسبب النزول يجب أن يكون داخلا في الكلام ، وسئل جابر : أيتوضأ الجنب بعد الغسل ؛ قال : لا ، وعن ابن عمر نحوه ، رواهما سعيد . فإن نوى أحدهما ارتفع وحده ، وعلى الأول : لو نوى رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو أمرا لا يباح إلا بوضوء ، واغتسل ، ارتفعا ، وظاهر كلام جماعة عكسه ، كالثانية ، قال ابن حامد : الجنابة المجردة عن حدث قبلها أو بعدها ، لا يجب سوى الغسل . ذكره ابن عبد البر إجماعا ، وذكر في " الشرح " : لو اغتسل إلا أعضاء الوضوء ، لم يجب الترتيب فيها ، لأن حكم الجنابة باق ، وقال ابن عقيل والآمدي فيمن غسل جميع بدنه إلا رجليه ، ثم أحدث ، يجب الترتيب في الأعضاء الثلاثة ، لانفرادها في الأصغر دون الرجلين لبقاء حدث الجنابة عليهما ، فيغسلهما عن الجنابة ، ثم يتوضأ في بقية أعضائه .

                                                                                                                          وإن نوت من انقطع حيضها بغسلها حل الوطء صح ، وقيل : لا ، لأنها إنما نوت ما يوجب الغسل ، وهو الوطء . ذكره أبو المعالي .



                                                                                                                          [ ص: 202 ] ( ويستحب للجنب ) ولو أنثى ، وحائض ، ونفساء بعد انقطاع الدم ( إذا أراد النوم أو الأكل ) أو الشرب أو ( الوطء ثانيا أن يغسل فرجه ) لإزالة ما عليه من الأذى ( ويتوضأ ) روي ذلك عن علي ، وابن عمر رضي الله عنهما . أما كونه يستحب بالنوم فلما روى ابن عمر قال : يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ، قال : نعم إذا توضأ فليرقد وعن عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب ، غسل فرجه ، وتوضأ وضوءه للصلاة متفق عليهما ، وفي كلام أحمد ما يقتضي وجوبه ، قاله الشيخ تقي الدين ، والأصح خلافه لما روت عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب ، ولا يمس ماء رواه الخمسة . قال يزيد بن هارون : هذا الحديث وهم ، وضعفه أحمد وغيره ، وصححه آخرون فيحمل على الجواز ، والأولان على الاستحباب للجمع ، ويكره تركه في الأصح .

                                                                                                                          وأما كونه يستحب للأكل والشرب ، فلما روت عائشة قالت : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد بإسناد صحيح ، وعنه : يغسل يديه ، ويتمضمض .

                                                                                                                          وأما كونه يستحب لمعاودة الوطء ، فوفاقا لما روى أبو سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعاود ، فليتوضأ بينهما وضوءا رواه مسلم ، ورواه ابن خزيمة ، والحاكم ، وزاد فإنه أنشط للعود ولا يكره تركه في المنصوص فيهما ، وغسله عند كل مرة أفضل ، وعنه : أن ذلك خاص بالرجل ، لأن عائشة أخبرت عنه بالوضوء ، ولم تذكر أنها كانت تفعله [ ص: 203 ] ولا أمرها به مع اشتراكهما في الجنابة ، ومن أحدث بعده ، لم يعده في ظاهر كلامهم ، لتعليلهم بخفة الحدث أو بالنشاط ، وظاهر كلام شيخنا يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين . قاله في " الفروع " .



                                                                                                                          مسائل : الأولى كره أحمد بناء الحمام ، وبيعه ، وإجارته ، وقال : من بنى حماما للنساء ليس بعدل ، وحرمه القاضي ، وحمله الشيخ تقي الدين على غير البلاد الباردة ، ويكره كسب الحمامي ، وفي " نهاية " الأزجي : لا .

                                                                                                                          الثانية : له دخوله بشرط أن يستر عورته ، ويغض بصره عن عوراتهم ، ولا يمس عورة أحد ، ولا يمكن أحدا من مس عورته ، وقال ابن البقاء : يكره ، وجزم به في " الغنية " ، واحتج بأن أحمد لم يدخله لخوف وقوعه في محرم ، وإن علمه حرم ، وفي " التلخيص " و " الرعاية " له دخوله مع ظن السلامة غالبا ، قال الشيخ تقي الدين : الأفضل تجنبها بكل حال مع الاستغناء عنها ، لأنها مما أحدث الناس من رقيق العيش .

                                                                                                                          الثالثة : للمرأة دخوله لعذر ، وإلا حرم ، نص عليه ) وكرهه بدونه جماعة ، وفي " عيون المسائل " لا يجوز لها دخوله إلا من علة يصلحها الحمام ، واعتبر القاضي ، والمؤلف مع العذر تعذر غسلها في بيتها لخوف ضرر ، ونحوه ، وظاهر كلام أحمد وجماعة خلافه ، وقيل : اعتياد دخولها عذر للمشقة ، وقيل : ولا تتجرد فتدخله في قميص خفيف ، أومأ إليه .

                                                                                                                          الرابعة : ثمن الماء على الزوج ، أو عليها ؛ أو ماء الجنابة عليه فقط ، أو عكسه ؛ فيه أوجه ، وماء الوضوء كالجنابة ، ذكره أبو المعالي ، قال في [ ص: 204 ] " الفروع " : ويتوجه : يلزم السيد شراء ذلك لرقيقه ، ولا يتيمم في الأصح .

                                                                                                                          الخامسة : تكره القراءة فيه في المنصوص ، ونقل صالح : لا يعجبني لنهي عمر عنه ، رواه ابن بطة ، وظاهره ولو خفض صوته ، وذكر ابن عبد البر قال : سئل مالك عن القراءة فيه ، فقال : القراءة بكل مكان حسن ، وليس الحمام بموضع قراءة ، فمن قرأ الآيات فلا بأس ، وكذا السلام في الأشهر ، ورخص فيه بعضهم كالذكر ، فإنه حسن لما روى النخعي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال : لا إله إلا الله ، وعن سفيان قال : كانوا يستحبون لمن دخله أن يقول يا بر يا رحيم ، من علينا ، وقنا عذاب السموم . وسطحه ، ونحوه كبقيته قال في " الفروع " : ويتوجه فيه كصلاة .

                                                                                                                          السادسة : إذا اغتسل بحضرة أحد من بني آدم ، وجب عليه ستر عورته ، وإن لم يحضره أحد فينبغي أن يستتر بسقف أو حائط أو نحوهما ، وأن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، قال الشيخ تقي الدين : وهو آكد ، فإن تجرد في الفضاء واغتسل ، جاز مع الكراهة ، وقيل : لا يكره كما لو استتر بحائط ، وذكر القاضي في كراهة كشف العورة للاغتسال في الخلوة روايتين .

                                                                                                                          السابعة : يكره الاغتسال في مستحم أو ماء عريانا ، وعنه : لا ، اختاره جماعة وفاقا ، وقال أحمد : لا يعجبني ، إن للماء سكانا ، قاله الحسن . رواه أبو حفص العكبري ، واحتج أبو المعالي للتحريم خلوة بهذا الخبر ، والله أعلم




                                                                                                                          الخدمات العلمية