الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الصلح في الأموال قسمان أحدهما : صلح على الإقرار ، وهو نوعان أحدهما : الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه ، أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي ، صح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول : على أن تعطيني الباقي ، أو يمنعه حقه بدونه ، ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب ، والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم البينة ، ولو صالح على المؤجل ببعضه حالا ، لم يصح وإن وضع بعض المال وأجل باقيه دون التأجيل ، وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ ، أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها ، لم يصح وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها ، صح فيهما ، وإن صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة ، أو يبني له فوقه غرفة لم يصح ، وإن قال : أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل ، صح الإقرار ، ولم يصح الصلح ، فإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية ، أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح ، وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه ، صح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الصلح في الأموال قسمان أحدهما : صلح على الإقرار ، وهو نوعان أحدهما : الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه ، أو بعين ) كدار ( فيهب له بعضها ويأخذ الباقي ، فيصح ) ، لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه ، كما لا يمنع من استيفائه ، لأنه عليه السلام كلم غرماء جابر ليضعوا عنه ، وقضية كعب مع [ ص: 279 ] ابن أبي حدرد شاهدة بذلك . قال أحمد : إذا كان لرجل على آخر دين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما إذا كان بلفظ الإبراء ، فإن كان بلفظ الصلح فأشهر الروايتين أنه لا يصح وهي الأصح ، لأنه صالح عن بعض ماله ببعض فهو هضم للحق ، والثانية : وهي ظاهر " الموجز " ، و " التبصرة " ويحتمله كلام المؤلف يصح وبالجملة فقد منع الخرقي ، وابن أبي موسى الصلح على الإقرار ، وأباه الأكثرون ، كما اقتضاه كلام المؤلف ، فعلى الأول إن وفاه من جنس حقه فهو وفاء من غير جنسه معاوضة ، وإن أبرأه من بعضه فهو إبراء ، وإن وهبه بعض العين فهو هبة ، ولا يسمى صلحا فالخلاف إذن في التسمية . قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، وأما المعنى فمتفق عليه ، وشرطه ( إن لم يكن بشرط مثل أن يقول : على أن تعطيني الباقي ) في الأصح ، لأنه أكل لمال الغير بالباطل وهضم للحق ( أو يمنعه حقه بدونه ) أي : بدون الصلح ، فلا يصح قولا واحدا ( ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب ، والمأذون له وولي اليتيم ) ، لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكونه ( إلا في حال الإنكار وعدم البينة ) ، فإنه يصح . ومثله ناظر الوقف ، وصرح به أبو العباس ابن تيمية في شرحه على " المحرر " ، لأن استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه ، وظاهره أنه مع الإقرار ، أو وجود البينة لا يملكونه لما قلنا ويصح عما ادعى على موليه وبه بينة ، وقيل : أو لا .

                                                                                                                          ( ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح ) نقله الجماعة ، لأنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته ومع الحلول ، والتأجيل لا يجوز ، كما لو أعطاه [ ص: 280 ] عشرة حالة بعشرين مؤجلة ، وفي الإرشاد ، و " المبهج " رواية بالصحة ، واختارها الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا ، وكدين الكتابة جزم به الأصحاب ، ونقله ابن منصور ، وقال ليس بينه وبين سيده ربا ، فدل أنه إنما جوزه على هذا الأصل ، والأشهر عكسه .

                                                                                                                          ( وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه ) ، كما لو صالحه عن مائة حالة بخمسين مؤجلة ( صح الإسقاط ) ، لأنه أسقطه عن طيب نفسه ، ولا مانع من صحته ، لأنه ليس في مقابله تأجيل ، فوجب أن يصح ، كما لو أسقطه كله ، وعنه : لا يصح ، وصححها أبو الخطاب ، لأنه هضم للحق ، والأول أصح ( دون التأجيل ) على الأصح ، لأن الحال لا يتأجل ، ولأنه وعد ، وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة هل هو إبراء من الخمسين ووعد في الأخرى ؛ قاله في " الفروع " ( وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ ، أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه الشيخ تقي الدين ، وأنه قياس قول أحمد ، لأن الدية والقيمة تثبت في الذمة بقدره ، فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها كالثابتة عن قرض ، إذ الزائد لا مقابل له فيكون حراما ، لأنه من أكل المال بالباطل وكالمثلي ، وقيد في " الفروع " ، وغيره المتلف بكونه غير مثلي ويخرج على ذلك تأجيل القيمة . قاله القاضي ، وغيره ، وفي " المغني " ، و " الشرح " رواية بأنه يصح أن يصالح عن المائة الثابتة بالتلف بمائة مؤجلة ، لأنه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز ، كما لو باعه إياه ، وذكر الشيخ تقي الدين رواية بتأجيل الحال في المعاوضة لا التبرع [ ص: 281 ] ( وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها ، صح فيهما ) ، لأنه لا ربا بين العوض ، والمعوض ، فصح كما لو باعه ما يساوي خمسة بدرهم .

                                                                                                                          ( وإن صالحه عن بيت ) أي : إذا ادعى عليه بيتا فصالحه ( على أن يسكنه سنة ، أو يبني له فوقه غرفة ) ، أو صالحه على بعضه ( لم يصح ) جزم به الأصحاب ، لأنه يصالحه عن ملكه على ملكه ، أو منفعته فمتى فعل ذلك كان تبرعا متى شاء أخرجه منها ، وإن فعله على سبيل المصالحة معتقدا إيجابه عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن وأخذ ما كان في يده من الدار ، لأنه أخذه بعقد فاسد ( وإن قال له : أقر لي بديني وأعطيك ) ، أو خذ ( منه مائة ففعل ، صح الإقرار ) ، لأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره ( ولم يصح الصلح ) ، لأنه يجب عليه الإقرار بما عليه من الحق ، فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه ، فعلى هذا يرد ما أخذ ، لأنه تبين كذبه بإقراره ، وأن الدين عليه فلزمه أداؤه بغير عوض ( وإن صالح إنسانا ) مكلفا ( ليقر له بالعبودية ) أي : بأنه مملوكه ( أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح ) ، لأن ذلك صلح يحل حراما ، لأن إرقاق النفس وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز .

                                                                                                                          ( وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه ، صح ) ، لأنه يجوز أن يعتق عبده بعوض ويشرع ذلك في حق الدافع لقطع الخصومة المتوجهة عليه ، زاد في " المغني " ، و " الشرح " ويدفع اليمين الواجبة ، وظاهره أن المرأة إذا دفعت إليه عوضا عن هذه الدعوة ليكف نفسه عنها لم يصح ، وهو وجه في " المغني " ، وهو ظاهر " البلغة " ، لأن الدفع في الإنكار لافتداء اليمين [ ص: 282 ] وقطع الخصومة ، ولا يمين عليها ، ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له ، وإنما أجيز الخلع لأجل الحاجة إلى افتداء نفسها ، والثاني : يصح ، ذكره أبو الخطاب ، وابن عقيل ، وجزم به في " الوجيز " ، لأن المدعي يأخذ عوضا عن حقه في النكاح فجاز كعوض الخلع ، والمرأة تبذله لقطع الخصومة وإزالة الشرور بما توجهت اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك ، فلو صالحته ، ثم ثبتت الزوجية ، فإن قلنا : الصلح باطل فالنكاح باق بحاله ، لأنه لم يوجد من الزوج طلاق ، ولا خلع ، وإن قلنا : هو صحيح فوجهان أحدهما : كذلك ، والثاني : تبين منه بأخذ العوض ، لأنه أخذ العوض عما كان يستحقه من نكاحها فكان خلعا ، كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها ، ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها على مال لتترك دعواها لم يصح ، وقيل : بلى ، كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية