الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها . وإن خللت لم تطهر ، وقيل : تطهر ، ولا تطهر الأدهان النجسة .

                                                                                                                          وقال أبو الخطاب : يطهر منها بالغسل ما يتأتى غسله وإذا خفي موضع النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الجلالة وألبانها ، لأكلها النجاسة ، ولو طهر بالاستحالة لم ينه عنه ، فعلى هذا إذا وقع [ ص: 241 ] وقع كلب في ملاحة فصار ملحا أو أحرق السرجين النجس فصار رمادا فهو نجس ، وعنه : يطهر ، وذكرها في " الشرح " تخريجا قياسا على جلود الميتة إذا دبغت ، فحيوان متولد من نجاسة كدود الجروح والقروح ، وصراصير الكنيف طاهر لا مطلقا ، نص عليه ، وذكر بعضهم روايتين في نجاسة وجه تنور سجر بنجاسة ، ونقل الأكثر يغسل ، ونقل ابن أبي حرب لا بأس ، وعليهما يخرج عمل زيت نجس صابونا ، وتراب جبل بروث حمار ، فإن لم يستحل عفي عن يسيره في رواية ، وذكر الأزجي أن نجس التنور بذلك طهر بمسحه بيابس ، وإن مسح برطب تعين الغسل ، وحمل القاضي قول أحمد : يسجر التنور مرة أخرى على ذلك .

                                                                                                                          فرع : القصرمل ودخان النجاسة وغبارها نجس على الأول لا الثاني ، وكذا ما تصاعد من بخار الماء النجس إلى الجسم الصقيل ، ثم عاد فقطر ، فإنه نجس على الأول ، لأنه نفس الرطوبة المتصاعدة ، وإنما يتصاعد في الهواء كما يتصاعد بخار الحمامات ، وبخار الحمامات طهور . ( إلا الخمرة ) هي مأخوذة من خمر إذا ستر ، ومنه خمار المرأة ، وكل شيء غطى شيئا فقد خمره ، ومنه : خمروا آنيتكم والخمر يخمر العقل أي : يغطيه ويستره ، وهي نجسة إجماعا ، لكن خالف فيه الليث ، وربيعة ، وداود ، وحكاه القرطبي عن المزني ، فقالوا بطهارتها ، واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لو [ ص: 242 ] كانت طاهرة لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ الدهر 21 ] أي : طاهرا ، وعلله في " الشرح " بأنه يحرم تناولها من غير ضرر أشبه الدم ( إذا انقلبت بنفسها ) فإنها تطهر في المنصوص ، وفي " الشرح " لا نعلم فيه خلافا ، لأن نجاستها لشدتها المسكرة ، وقد زالت من غير نجاسة خلفتها ، فوجب أن تطهر كالماء ، لا يقال : حكم سائر النجاسات كذلك أي : تطهر بالاستحالة ، لأن نجاستها لعينها ، والخمرة نجاستها لأمر زال بالانقلاب ، والنبيذ كذلك ، وخالف القاضي فيه ، لأن فيه ماء نجسا ، ودنها مثلها ، قاله الأصحاب .

                                                                                                                          ( وإن خللت لم تطهر ) في ظاهر المذهب لما روى الترمذي أن أبا طلحة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرا فقال : أهرقها ، قال : أفلا أخللها ؛ قال : لا ، لا . ولو جاز التخليل لم ينه عنه ، ولم تبح إراقته ، وعلى هذا يحرم تخليلها فلا تحل ، ففي النقل أو التفريغ من محل إلى آخر ، وإلقاء جامد فيه وجهان ( وقيل : تطهر ) وهو رواية ، لأن علة التحريم زالت فعلى هذا يجوز ، وعنه : يكره ، وعليهما تطهر ، وفي " المستوعب " يكره ، وأن عليها لا تطهر على الأصح ، وفي إمساك خمر ليصير خلا بنفسه أوجه ، ثالثها : يجوز في خمرة خلال ، وهو أظهر ، فيترك حينئذ فعلى هذا تصير هذه الخمرة محرمة ، وعلى المنع يطهر على الأصح ، وإن اتخذ عصيرا للخمر فلم يتخمر وتخلل بنفسه ، ففي حله الخلاف ، واقتضى ذلك أن الحشيشة المسكرة طاهرة ، وقيل : نجسة ، وقيل : إن أميعت .

                                                                                                                          [ ص: 243 ] فائدة : الخل المباح : أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي نقله الجماعة ، قيل له : صب عليه خل فغلا . قال : يهراق .

                                                                                                                          تنبيه : لا يطهر إناء تشرب نجاسة بغسله ، نص عليه ، وقيل : بلى ، إن لم يبق للنجاسة أثر ، وقيل : بل ظاهره ، ومثله سكين سقيت ماء نجسا ، ويطهر باطن حب نقع في نجاسة بغسله ، نص عليه ، وقيل : بلى ، كظاهره فينقع ويجفف مرارا كعجين ، وقيل : كل مرة أكثر من مدة إقامته في الماء النجس ، وإن طبخ لحم بماء نجس ، طهر ظاهره بغسله ، وعنه : وباطنه ، فيغلى في ماء طهور كثير ، ويجفف مرارا ، وقيل : إن تشربه اللحم لم يطهر بحال ، ولا يطهر جسم صقيل بمسحه على الأصح ، وعنه : تطهر سكين من دم الذبيحة فقط .

                                                                                                                          ( ولا تطهر الأدهان النجسة ) بغسلها في ظاهر المذهب ، لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه ، ولو تحقق ذلك لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإراقة السمن الذي وقعت فيه الفأرة ، واستثنى ابن عقيل الزئبق ، لأنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد ، وبعده ابن حمدان .

                                                                                                                          ( وقال أبو الخطاب : يطهر منها بالغسل ما يتأتى غسله ) كزيت ، ونحوه ، لأن غسله ممكن لكون الماء يختلط بجميع أجزائه ، ويطهر به كالجامد ، والخبر السابق وارد في السمن ، وهو لا يمكن غسله لأنه يجهد ، وطريق تطهيره : أن يجعل في ماء كثير ، ويحرك حتى يصيب جميع أجزائه ، ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ ، وإن تركه في جرة وصب عليه ماء ، وحركه فيه ، وجعل لها بزالا يخرج منه الماء ، جاز .

                                                                                                                          [ ص: 244 ] فرع : إذا ماتت الفأرة ونحوها في جامد ألقيت وما حولها ، والباقي طاهر ، نص عليه لحديث أبي هريرة رواه أحمد ، وأبو داود ، والجامد : ما لا تسري إليه النجاسة غالبا ، وقال ابن عقيل : ما لو فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه ، قال في " الشرح " والظاهر خلافه ، لأن سمن الحجاز لا يكاد يبلغه ، فإن اختلط ولم ينضبط حرم ، نص عليه ، وإن خرجت منه حية فطاهر ، نص عليه ، لانضمام دبره ، ولا يكره سؤره في اختيار الأكثر ( وإذا خفي موضع النجاسة ) في بدن أو ثوب أو بقعة يمكن غسلها ، وأراد الصلاة ( لزمه غسل ما تيقن به إزالتها ) لأنه اشتبه الطاهر بالنجس ، فوجب عليه اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة بالغسل ، كما لو خفي المذكى بالميت ، ولأن النجاسة متيقنة ، فلا ينعقد إلا بيقين الطهارة ، فإن لم تعلم جهتها من الثوب غسله كله ، وإن علمها في أحد كميه غسلهما ، وإن رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه ، غسل ما يقع نظره عليه ، وعنه : يكفي الظن في مذي ، وعند الشيخ تقي الدين : وفي غيره . وظاهره أنها إذا خفيت في فضاء واسع أنه لا يلزمه غسل ، وهو كذلك ، بل يصلي حيث شاء زاد بعضهم : بلا تحر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية