الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 233 ] وهي أمانة ولا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى ، وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب الوديعة

                                                                                                                          الوديعة وهي فعيلة من ودع الشيء إذا تركه ، أي هي متروكة عند المودع ، وقيل : هي مشتقة من الدعة ، فكأنها عند المودع غير مبتذلة للانتفاع ، وقيل : من ودع الشيء يدع إذا سكن ، فكأنها ساكنة عند المودع ، وهي في الشرع اسم لعين توضع عند آخر ليحفظها ، فهي وكالة في الحفظ ، فيعتبر أركانها ، والأحسن أنها توكيل في حفظ مملوك ، أو محترم مختص على وجه مخصوص ، والإجماع في كل عصر على جوازها ، وسنده قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها مع السنة الشهيرة ، منها قوله عليه السلام " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " رواه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، والمعنى يقتضيها لحاجة الناس إليها ; لأنه يتعذر عليهم حفظ جميع أموالهم بأنفسهم .

                                                                                                                          ويستحب أخذها لمن علم أنه ثقة قادر على حفظها ، وتكره لغيره إلا برضى ربه ، وتنفسخ بموت ، وجنون ، وعزل مع علمه ، فإن بطلت بقي المال في يده أمانة يؤديه إلى مالكه ، فإن تلف قبل التمكن فهدر ، وإن تلف بعده فوجهان ، ولا يصح الإيداع والاستيداع إلا من جائز التصرف في ماله وتبرعه به .

                                                                                                                          ( وهي أمانة ) لقوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ( ولا ضمان عليه فيها ) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أودع وديعة فلا ضمان عليه ، رواه ابن [ ص: 234 ] ماجه ، ولأن المستودع يحفظها لمالكها ، فلو ضمنت لامتنع الناس من الدخول فيها ، وذلك مضر لما فيه من مسيس الحاجة إليها ( إلا أن يتعدى ) فيضمنها بغير خلاف علمناه ; لأنه متلف لمال غيره ، فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع ( وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين ) وهي قول أكثر العلماء لما ذكرنا ، ولأن المستودع مؤتمن فلم يضمن ما تلف من غير تعديه ولا تفريطه ، وسواء ذهب معها من ماله شيء أو لا ، والثانية : يضمن إذا تلفت من بين ماله لما روى سعيد حدثنا هشيم ، أنا حميد الطويل ، عن أنس أن عمر بن الخطاب ضمنه وديعة ذهبت من بين ماله ، والأولى أصح ، قاله القاضي ; لأن الضمان ينافي الأمانة ، وحديث عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا منافاة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية