الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه ، مسلما كان أو ذميا ، فإن كان محجورا عليه ، دفع المال إلى وليه ، وإن كان عبدا ، دفع إلى سيده ، وقال القاضي : يصح القبض من كل من يصح خلعه ، وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها ؛ على روايتين ، وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها ، ويصح الخلع مع الزوجة ، ومع الأجنبي ، ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها يتبع به بعد العتق ، وإن خالعته المحجور عليها ، لم يصح الخلع ، ووقع طلاقه رجعيا ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا ) ; لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض ، فبالعوض أولى ، وفي المميز وجه ، وجزم ابن المنجا أنه يصح منه ومن السفيه والعبد; لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه ، فصح خلعه قياسا ، ويصح من أبي صبي ومجنون ، إن صح طلاقه عليهما ( فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه ) كسائر حقوقه ( وإن كان عبدا دفع إلى سيده ) ; لأنه للسيد لكونه من أكساب عبده ، وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه; لأنه يملك أكسابه ، وهو الذي يتصرف لنفسه ( وقال القاضي : يصح القبض من كل من يصح خلعه ) ; لأنه يصح منه أحد ركني المعاوضة وهو العقد فيصح منه قبض العوض الذي هو الركن الآخر قياسا عليه ، فعلى هذا يصح قبض العبد والمحجور عليه; لأن من صح خلعه صح قبضه العوض ، كالمحجور عليه لفلس ، ونص عليه أحمد في العبد ، قال في " الشرح " : والأولى أنه لا يجوز ، فإن سلمت العوض إلى المحجور عليه لم يبرأ ، فإن أخذه الولي منه برئت ، وإن سلمت العبد برئت مطلقا ، قال صاحب " النهاية " فيها : والأول أصح; لأن النظر له في صحة العقد دون قبضه ( وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها ؛ على روايتين ) إحداهما : له ذلك ، نصره القاضي وأصحابه; لأنه يصح أن يزوجه بعوض ، فلأن يصح أن يطلق عليه بطريق [ ص: 223 ] الأولى ، لا يقال : التزويج إدخال ملك والخلع عكسه; لأن الأب كامل الشفقة ، فلا يفعله إلا لمصلحة ولده فيه ، وكالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون بالإعسار ، والثانية - وهي الأشهر - : لا يملكه وفاقا للأكثر; لقوله عليه السلام : الطلاق لمن أخذ بالساق رواه ابن ماجه والدارقطني بإسناد فيه ضعف; ولأنه إسقاط لحقه ، فلم يملكه كالإبراء وإسقاط القصاص; ولأن طريق الشهوة لا مدخل لها في الولاية ، وحكم المجنون كذلك ، وكذا سيد صغير ومجنون ، والأظهر : جوازه إن رآه مصلحة ( وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها ) على المذهب; لأن فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبدل مالها ، ولا حظ لها في ذلك ، وقيل : له ذلك ، إذا رأى الحظ فيه ، كتخليصها ممن يتلف مالها ، ويخاف منه على نفسها ، وعقلها ، والأب وغيره في ذلك سواء إذا خالعوا في حق المجنونة والمحجور عليه لسفه أو صغر ، وظاهره : أنه إذا خالع بشيء من ماله أنه يجوز ، صرح به في " الشرح " وغيره; لأنه يجوز مع الأجنبي ، فمن الولي أولى ( ويصح الخلع مع الزوجة ) إذا كانت رشيدة ( ومع الأجنبي ) بغير رضى المرأة - في قول أكثرهم ، وقال أبو ثور : لا يصح فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه ، وجوابه بأنه بذل مال في إسقاط حق عن غيره ، فصح ، كما لو قال : أعتق عبدك وعلي ثمنه; ولأنه لو قال : ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه ، صح ، ولزمه ثمنه ، مع أنه لا يسقط حقا عن أحد ، فهنا أولى; ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض ، فجاز لغيرها كالدين ، وقيل : إن قلنا : هو فسخ ، فلا .

                                                                                                                          [ ص: 224 ] فرع : إذا قالت امرأته : طلقني وضرتي بألف ، فطلقهما - وقع بهما بائنا ، واستحق الألف على ما ذكرته ، وإن طلق إحداهما ، فقال القاضي : تطلق بائنا ويلزم الباذلة بحصتها من الألف ، وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت : طلقني ثلاثا بألف ، فطلقها واحدة - أن لا يلزم الباذلة هنا شيء; لأنه لم يجبها إلى ما سألت ، وإن قالت : طلقني بألف على أن تطلق ضرتي ، أو على أن لا تطلق ضرتي - فالخلع صحيح ، والشرط والبدل لازم .

                                                                                                                          مسألة : يجوز في الحيض وطهر أصابها فيه ; لأن تحريم الطلاق فيه ثبت دفعا لضرر تطويل العدة ، والخلع يندفع به ضرر سوء العشرة ، وهو أعظم وأدوم ، فكان رفعه أولى ، وقيل : لا يجوز وفي " الواضح " فيه روايتان .

                                                                                                                          ( ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف ) ; لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : طلق بنتي وأنت بريء من صداقها ، فطلق - بانت ، ولم يبرأ ، ويرجع على الأب ، نص عليها; لأنه غره ، وحمله القاضي على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب صحيح .

                                                                                                                          فإن علم أن إبراء الأب غير صحيح ، لم يرجع ، وطلاقه رجعي ، وقاله في " الشرح " وقدمه في " الرعاية " .

                                                                                                                          وإن قال : إن أبرأتني أنت منه ، فهي طالق ، فقال : قد أبرأتك منه - طلقت ، نص عليه ، وحمله القاضي على أنه اعتقد أن إبراء الأب صحيح .

                                                                                                                          فأما إن علم أنه لا يصح فقولان : [ ص: 225 ] فلو قال : طلقتها بألف من مالها ، وعلي دركه فطلقها - بانت ، وغرمه الأب ، ولم يرجع به عليها ( فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها ) فالخلع صحيح ، قطع به المؤلف في كتبه ، وهو قول الخرقي ، والقاضي وعامة أصحابه; لأنه يصح مع الأجنبي ، فمع الزوجة أولى .

                                                                                                                          والثاني : لا يصح ، وقاله القاضي في " المجرد " ، والمجد; لأن الخلع عقد معاوضة ، فلم يصح منها كالبيع ، والأول أولى .

                                                                                                                          والخلع يفارق البيع بدليل صحته على المجهول ، وعلى غير عوض على قول ، وقيل : يصح إن خالعته على شيء في ذمتها ، لا على عين في يدها كالبيع ( على شيء معلوم كان في ذمتها ) ; لأنه رضي بذلك ( يتبع به بعد العتق ) وهو اختيار الخرقي ، جزم به في " الهداية " ; لأنه الوقت الذي يملك فيه ، ويرجع بقيمته أو مثله إن كان مثليا ، فإن كان على عين في يدها فكذلك ، وقياس المذهب كما قاله المؤلف : أنه لا شيء له; لأنه يعلم أنها أمة ، فقد علم أنها لا تملك العين ، كما لو قال : خالعتك على هذا الحر ، فيكون راضيا بغير عوض ، ومقتضاه بطلان الخلع على المشهور ، فأما إن كان بإذن السيد فهو صحيح ، كاستدانتها ، فإن أذن لها في قدر من المال فخالعت بأكثر منه - فالزيادة في ذمتها ، وإن أطلق الإذن اقتضى الخلع بالمسمى .

                                                                                                                          فرع : المكاتبة كالأمة القن ، سواء فيما ذكرنا ( وإن خالعته المحجور عليها ) لسفه أو صغر أو جنون ( لم يصح الخلع ) ; لأنه تصرف في المال ، وليست من أهله ، فلم يصح ، كالهبة ونحوها ، وظاهره : ولو أذن فيه الولي; لأنه لا إذن له [ ص: 226 ] في التبرعات ، والأظهر : الصحة مع الإذن لمصلحة - على ما ذكره ( ووقع طلاقه رجعيا ) ; لأنه طلاق لا عوض له ، فوجب وقوعه رجعيا; لسلامته عما ينافيه ، وهذا إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق أو نواه به .

                                                                                                                          فأما إن وقع بلفظ الفسخ أو المفاداة - ولم ينو به طلاقا - فهو كالخلع بغير عوض ، وفي " المغني " و " الشرح " : يحتمل أن لا يقع الخلع هنا; لأنه إنما رضي به بعوض ، ولم يحصل له ، ولا أمكن الرجوع ببذله ، وهذا إذا كان الطلاق بغير الثلاث ، فإن كان بها لم يقع رجعيا; لأن الثلاث لا رجعة معها ، فأما المحجور عليها لفلس فلا يصح بغير إذن غرمائها; لأنها ممنوعة من التبرع ، ويصح بإذنهم; لأنها من أهل التصرف; ولهذا يصح تصرفها في ذمتها ، بخلاف المحجور عليها لحظ نفسها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية