الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          والخلع طلاق بائن ، إلا أن يقع بلفظ الخلع ، أو الفسخ ، أو المفاداة ، ولا ينوي به الطلاق ، فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال ، ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ، ولو واجهها به ، وإن شرط الرجعة في الخلع ، لم يصح الشرط في أحد الوجهين ، وفي الآخر : يصح الشرط ، ويبطل العوض .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( والخلع ) له صريح ، وهو لفظ الخلع ، والمفاداة وكذا الفسخ في الأشهر ، وكناية : وهو الإبانة والتبرئة ، وفي " الروضة " : صريحه الخلع ، أو الفسخ ، أو الفداء ، أو بارئتك ( طلاق ) أي : إذا وقع بغير الألفاظ المذكورة بغير خلاف لوجود صريحه أو كنايته مقترنة بالنية ( بائن ) ; لقوله تعالى : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه ، ولو لم يكن بائنا لكانت له الرجعة ، وكانت تحت حكمه وقبضته; لأن القصد إزالة الضرر عنها ، فلو جازت الرجعة لعاد الضرر ( إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ، ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين ) اختارها أبو بكر ، وقال ابن هبيرة : وهي أظهرهما ، وصححها في [ ص: 227 ] " المحرر " ، وجزم بها في " الوجيز " ، وروي عن ابن عباس ، وطاوس ، وعكرمة ، وإسحاق ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى : الطلاق مرتان ثم قال : فلا جناح عليهما فيما افتدت به ثم قال : فإن طلقها فلا تحل له فذكر طلقتين ، والخلع ، وتطليقه بعدهما ، فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا; ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته ، فكانت فسخا كسائر الفسوخ ، قال الشيخ تقي الدين : وعليه دل كلام أحمد وقدماء أصحابه ، ومراده : ما قال عبد الله : رأيت أبي كان يذهب إلى قول ابن عباس ، وابن عباس صح عنه : ما أجازه المال فليس بطلاق ، وصح عنه أن الخلع تفريق وليس بطلاق .

                                                                                                                          ( وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال ) رواه الشافعي عن عثمان ، وروي عن علي ، وابن مسعود ، وقاله سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والأكثر ، لكن ضعف أحمد الحديث عنهم ، وقال : ليس في الباب أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ; ولأنها بذلت العوض للفرقة ، والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ; ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها ، فكان طلاقا كغير الخلع ، وفائدة الخلاف : أنه إذا قلنا بأنه طلاق ، حسب ونقص به عدد طلاقه ، وإن قيل : هو فسخ لم تحرم عليه ، وإن خالعها بمائة مرة ، وتعتبر الصيغة منهما ، فيقول : خلعتك على كذا ، وتقول : هي قبلت أو رضيت ، وتصح ترجمة خلع بكل لفظ طلاق من أهلها .

                                                                                                                          فرع : لا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج ، قال القاضي : ذهب إليه شيوخنا البغداديون ، وأومأ إليه أحمد ، وذهب أبو حفص [ ص: 228 ] العكبري وابن شهاب إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج العوض ، وأفتى به ابن شهاب بعكبرا ، واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز ، نقل إسحاق بن منصور قال : قلت لأحمد : كيف الخلع ؛ قال : إذا أخذ المال فهي فرقة ، وعن علي : من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة ، وجوابه : بأنه تصرف في البضع بعوض ، فلم يصح بدون اللفظ ، كالنكاح والطلاق; ولأن أخذ المال قبض لعوض ، فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب ، كقبض أحد العوضين في البيع ، ولعل أحمد وغيره استغنى عن ذكر اللفظ; لأنه معلوم .

                                                                                                                          ( ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ، ولو واجهها به ) بأن يقول : أنت طالق ، قال الشافعي : أنا مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وابن الزبير أنهما قالا : لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة ، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة ، فكان كالإجماع; ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد ، فلا يلحقها طلاقه ، كالمطلقة قبل الدخول ، وفي " الترغيب " : إلا إن قلنا : هو طلقة ، ويكون بلا عوض ، وهو ظاهر ( وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط ، في أحد الوجهين ) جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " كشرط الخيار; ولأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد ، فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ( وفي الآخر : يصح الشرط ، ويبطل العوض ) أي : فيقع رجعيا بلا عوض; لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان ، فيسقطان ، ويبقى مجرد الطلاق ، فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط .

                                                                                                                          وعلى الأول قال القاضي : يسقط المسمى في العوض; لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط ، فإذا سقط الشرط ، فيصير مجهولا ، فيسقط ، ويجب [ ص: 229 ] المسمى في العقد ، ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع; لأنهما تراضيا به عوضا ، فلم يجب غيره ، كما لو خلا عن شرط الرجعة .

                                                                                                                          فرع : إذا شرط الخيار في الخلع ، بطل الشرط ، وصح الخلع; لأن الخيار في البيع لا يمنع وقوعه ، ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه .



                                                                                                                          الخدمات العلمية