الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويؤذن قائما متطهرا ، على موضع عال مستقبل القبلة ، فإذا بلغ الحيعلة ، التفت يمينا وشمالا ، ولم يستدر ، ويجعل أصبعيه في أذنيه ، ويتولاهما معا ، ويقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وأن يؤذن قائما ) لما روى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال : قم فأذن وكان مؤذنوه عليه السلام يؤذنون قياما ، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السنة ، لأنه أبلغ في الإسماع ، وظاهره أنه إذا أذن قاعدا أنه يصح [ ص: 320 ] لكن مع الكراهة ، صرح به في " الشرح " وغيره ، كالخطبة قاعدا ، وعنه : لا يعجبني ، وبعده ابن حامد ، فإن كان لعذر جاز ، ولم يذكروا الاضطجاع ، ويتوجه الجواز ، لكن يكره لمخالفة السنة ، والماشي كالراكب ، وظاهره الكراهة ، وهو رواية عنه ، وعنه : لا ، وعنه : يكره حضرا ، وقال ابن حامد : إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا بطل ، وهو رواية في الثانية .

                                                                                                                          وأما الإقامة فتكره ماشيا أو راكبا ، نص عليه ، وعنه : لا ، وقال في " الرعاية " : يباحان للمسافر حال مشيه وركوبه في رواية ( متطهرا ) من الحدثين الأصغر والأكبر ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يؤذن إلا متوضئ رواه الترمذي ، والبيهقي مرفوعا من حديث أبي هريرة ، وموقوفا عليه ، وقالا : هو أصح ، وحكم الإقامة كذلك ، فإن أذن أو أقام محدثا ، فظاهر كلام جماعة ، وصرح به في " الشرح " أنه يصح مع الكراهة ، وقدم ابن تميم ، والجد عدمها ، نص عليه ، وهو المذهب ، كقراءة القرآن ، وفي " الرعاية " وهو ظاهر كلام ابن تميم أنها تكره الإقامة قولا واحدا للفصل بينهما وبين الصلاة ، فإن كان جنبا فإنه يصح على الأصح مع الكراهة ، لأنه أحد الحدثين ، فلم يمنع صحته كالآخر ، والثانية : لا ، اختاره الخرقي ، وقدمه السامري ، لأنه ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة ، وعلى الصحة : إن أذن في مسجد مع جواز لبثه فيه صح ، ومع تحريمه ، فهو كالأذان في مكان غصب ، وفيه روايتان ، أصحهما : الصحة لعدم اشتراط البقعة له ، لكن مع الإثم ، قاله ابن تميم وعدمها ، وهو اختيار ابن عقيل ، [ ص: 321 ] ومقتضى قول ابن عبدوس ، فإنه قطع باشتراط الطهارة له ، وفي " الرعاية " يسن أن يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه وثوبه ، وربما يحتمله كلام المؤلف ( على موضع عال ) أي : مرتفع كالمنارة ، ونحوها لحديث رواه أبو داود ، ولأنه أبلغ في الإعلام ، فلو خالف صح وكره ، كالخطبة ( مستقبل القبلة ) لما روى أبو داود مرسلا أن الذي رآه عبد الله بن زيد استقبل ، وأذن ، وحكى ابن المنذر الإجماع على أنه من السنة ، ولأنها أشرف الجهات ، فلو خالف فكالذي قبله ( فإذا بلغ الحيعلة ) وهي كلمة مولدة ليست من كلام العرب ، كما يقال بسمل ، وسبحل ، وهيلل ، ونحوها ( التفت ) برأسه وعنقه وصدره ، وظاهر " المحرر " أنه لا يلتفت بصدره ( يمينا وشمالا ) فيكون يمينا حي على الصلاة ، ثم يعيده يسارا ، ثم كذلك حي على الفلاح ، وقيل : يقول يمينا : حي على الصلاة ، ثم يسارا : حي على الفلاح ، ثم كذلك ثانية ، وهو سهو ، والأولى أن يقول يمينا : حي على الصلاة مرتين ، ويسارا : حي على الفلاح مرتين ( ولم يستدر ) أي : لا يزيل قدميه ، قدمه جماعة ، وهو ظاهر الخرقي ، وجزم به في " الوجيز " لما روى أبو جحيفة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في قبة حمراء من أدم ، فخرج ، وتوضأ ، فأذن بلال ، فجعلت أتتبع فاه هاهنا ، وهاهنا ، يقول يمينا وشمالا : حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه ، ورواه أبو داود ، وفيه : فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح ، لوى عنقه يمينا وشمالا ، ولم يستدر وظاهره لا فرق فيه بين المنارة وغيرها ، وهو المشهور ، وكأنه لم يعجبه الدوران في المنارة ، وكما لو كان على وجه الأرض ، وعنه : يزيل قدميه في المنارة ، ونحوها ، نصره في " الخلاف " ، واختاره المجد ، وجزم به في " الروضة " لأنه لا يحصل المقصود بدون ذلك ، زاد [ ص: 322 ] أبو المعالي : مع كبر البلد للحاجة ، وظاهره أنه لا يلتفت في الإقامة ، وهو وجه ، قاله أبو المعالي ، وجزم به الآجري وغيره ، والثاني : يلتفت فيها في الحيعلة ، ويرفع صوته مقدار طاقته ، ولا يجهد نفسه لئلا ينضر ما لم يؤذن لنفسه ، أو لجماعة حاضرين ، وتكره الزيادة ، وعنه : التوسط أفضل .

                                                                                                                          ( ويجعل أصبعيه ) أي : سبابتيه ( في أذنيه ) هذا هو المذهب ، قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ، لما روى أبو جحيفة : أن بلالا وضع أصبعيه في أذنيه رواه أحمد ، والترمذي ، وصححه ، وأمر عليه السلام بلالا بذلك ، وقال : إنه أرفع لصوتك رواه ابن ماجه ، وعنه : يضم أصابعه إلى راحتيه ، ويجعلهما على أذنيه ، وهو اختيار ابن عبدوس ، وابن البنا ، وصاحب " البلغة " ، رواه أحمد عن أبي محذورة ، وعن ابن عمر : أنه أمر مؤذنا بذلك ، رواه أبو حفص ، وعنه : يبسط أصابعه مضمومة على أذنيه ، جزم به في " التلخيص " زاد السامري عليها دون الإبهام ، والراحة ، وقدمه في " الرعاية " قال في " الشرح " : والأول أصح لصحة الخبر ، وشهرته ، وعمل أهل العلم به ، ليجتمع الصوت ويستدل الأصم على كونه أذانا ، وأيهما فعل فحسن ، ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله ، نص عليه في رواية حنبل ، لأنه حقيقة التوحيد ، وفي " المستوعب " عند كلمة الإخلاص ، وقيل : والشهادتين ، قاله في " الرعاية " ( ويتولاهما معا ) لما في حديث زياد بن الحارث الصدائي حين أذن قال : فأراد بلال أن يقيم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقيم أخو صداء ، فإن من أذن فهو يقيم رواه أحمد ، وأبو داود ، وقال الترمذي : من حديث الإفريقي ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة ، فسن أن يتولاهما واحد ، كالخطبتين ، وعنه : [ ص: 323 ] لا فرق بينه وبين غيره ، ذكره أبو الحسين ، لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد : ألقه على بلال ، فألقاه عليه فأذن ، ثم قال له : أقم أنت رواه أبو داود ، ولأنه يحصل المقصود منه ، أشبه ما لو تولاهما واحد ، وهو محمول على الجواز ، والأول على الاستحباب ، ولو سبق المؤذن بالأذان ، فأراد المؤذن أن يقيم ، فقال أحمد : لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة ، فإن أقام من غير إعادة فلا بأس .

                                                                                                                          ( ويقيم في موضع أذانه ) لقول بلال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تسبقني بآمين لأنه لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بها ، كذا استنبطه الإمام أحمد ، ولقول ابن عمر : كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ، ثم خرجنا إلى الصلاة ، ولأنه أبلغ في الإعلام كالخطبة الثانية ( إلا أن يشق عليه ) مثل أن يؤذن في منارة ، أو مكان بعيد من المسجد ، فإنه يقيم في غير موضع أذانه ، لئلا تفوته بعض الصلاة ، لإمكان صلاته لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام ، لفعل بلال .




                                                                                                                          الخدمات العلمية