الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وتجب الكفارة بالعود ، وهو الوطء . نص عليه أحمد وأنكر قول مالك إنه العزم على الوطء . وقال القاضي وأبو الخطاب : هو العزم على الوطء ، وإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء ، فلا كفارة عليه . وإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر ، وإن وطئ قبل التكفير أثم واستقرت عليه الكفارة وتجزئه كفارة واحدة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وتجب الكفارة ) أي : تثبت في ذمته ( بالعود ، وهو الوطء . نص عليه أحمد ) . اختاره الخرقي ، وقدمه في " الكافي " و " الرعاية " و " الفروع " . وجزم به في " الوجيز " لقوله تعالى : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة [ المجادلة : 3 ] فأوجب الكفارة عقب العود ، وذلك يقتضي تعلقها به فمتى وطئ لزمته الكفارة ، ولا تجب قبل ذلك صرح به في " المغني " وغيره ; لأنه علق الكفارة بشرطين : ظهار وعود ، والمعلق لا وجود له عند عدم أحدهما إلا أنها شرط لحل الوطء فيؤمر بها من أراده ليستحله بها كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها . ذكره في " الشرح " ولأن العود في القول هو فعل ضد ما قال كما أن العود في الهبة استرجاع ما وهب ، ويلزمه إخراجها بعزمه على الوطء . نص عليه ، ويجوز قبله ، وفي " الانتصار " في الطلاق إن عزم فيقف مراعا . ( وأنكر قول مالك أنه العزم على الوطء ) لما تقدم . وقال أبو حنيفة : تجب الكفارة على من وطئ ، وهي [ ص: 43 ] عنده في حق وطئ كمن لم يطأ . وقال الشافعي : العود إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكن طلاقها فيه ، وقال داود : العود تكرار الظهار مرة ثانية .

                                                                                                                          ( وقال القاضي وأبو الخطاب ) وغيرهما ( هو العزم على الوطء ) ، وذكره ابن رزين رواية ; لأنه قصد تحريمها ، فإذا عزم على الوطء فقد عاد فيما قصد ، ولأن الوطء تحريم ، فإذا عزم على استباحتها فقد رجع عن ذلك التحريم ، فكان عائدا ، ولأن الله تعالى أمر بالتكفير عقب العود قبل التماس ، وكلامه مشعر بأن العود ليس هو إمساك المظاهر منها عقب يمينه وصرح به في " المغني " ، وعلله بأن الظهار تحريم قصده وفعل ما حرمه دون الإمساك ، ولأن العود فعل ، والإمساك ترك الطلاق ولقوله تعالى : ثم يعودون لما قالوا [ المجادلة : 3 ] و " ثم " للتراخي ، والمهلة ، وذلك ينافي الإمساك عقب الظهار ، وحاصله أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم على الوطء إذا مات أحدهما ، أو طلق قبل الوطء إلا أبا الخطاب ، فإنه قال : إذا مات بعد العزم ، أو طلق فعليه الكفارة ، وهذا قول مالك وأبي عبيدة وأنكره أحمد ، وقال القاضي وأصحابه : لا كفارة عليه . حكاه المؤلف ، وقطع في " المحرر " بالكفارة ، وحكاه عن القاضي وأصحابه .

                                                                                                                          ( وإن مات أحدهما ، أو طلقها قبل الوطء ، فلا كفارة عليه ) . وحاصله أن الكفارة ، لا تجب بمجرد الظهار ، فإن مات أحدهما ، أو فارقها قبل العود ، فلا كفارة عليه ; لأن الموجب لها هو الوطء ، ولم يوجد على المنصوص ، وأيهما مات ورثه الآخر ، وقال قتادة : إن ماتت لم يرثها حتى يكفر . وجوابه : أن من [ ص: 44 ] ورثها إذا كفر ورثها ، وإن لم يكفر كالمؤلي منها ( وإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر ) سواء كان الطلاق ثلاثا أو لا ، وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر ، أو لا . نص عليه ، وهو قول الحسن وعطاء للآية . وهي ظاهرة في امرأته ، فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر كالتي لم يطلقها ، ولأن الظهار يمين مكفرة ، فلم يبطل حكمها بالطلاق كالإيلاء . ( وإن وطئ قبل التكفير أثم ) مكلف ; لأنه بوطئه قبل التكفير عاص ربه لمخالفته أمره ( واستقرت عليه الكفارة ) ولو مجنونا . نص عليه لئلا يسقط بعد ذلك كالصلاة إذا غفل عنها في وقتها وتحريم زوجته باق عليه حتى يكفر في قول الأكثر . وظاهر كلام جماعة لا وأنه كاليمين ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، وكذا في " الترغيب " وجهان كالإيلاء . وفي " الانتصار " وغيره إن أدخلت ذكره نائما ، فلا عود ، ولا كفارة ، وعلى الأول . ( وتجزئه كفارة واحدة ) لحديث سلمة بن صخر ، ولأنه وجد الظهار ، والعود فيدخل في عموم الآية . وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين . رواه الدارقطني وبه قال جمع ، وعن بعض العلماء أن الكفارة تسقط ; لأنه قد فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس .




                                                                                                                          الخدمات العلمية