الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل في كفارة الظهار وما في معناها كفارة الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا . وكفارة الوطء في رمضان مثلها في ظاهر المذهب ، وكفارة القتل مثلهما إلا في الإطعام ففي وجوبه روايتان والاعتبار في الكفارات بحال الوجوب في إحدى الروايتين ، فإن وجبت ، وهو موسر ، ثم أعسر لم يجزئه إلا العتق ، وإن وجبت ، وهو معسر فأيسر لم يلزمه العتق وله الانتقال إليه إن شاء . وعنه في العبد إذا عتق لا يجزئه غير الصوم . والرواية الثانية : الاعتبار بأغلظ الأحوال فمن أمكنه العتق من حين الوجوب إلى حين التكفير ، لا يجزئه غيره ، فإن شرع في الصوم ، ثم أيسر لم يلزمه الانتقال عنه . ويحتمل أن يلزمه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في كفارة الظهار وما في معناها .

                                                                                                                          الكفارة مأخوذ معناها من الكفر ، وهو الستر ; لأنها تستر الذنب ( كفارة الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع ) لكبر ، أو مرض . وفي " الكافي " : غير مرجو زواله ، أو يخاف زيادته ، أو بطؤه . وذكر المؤلف وغيره : أو لشبق . وفي " الترغيب " : أو لضعفه عن معيشة تلزمه . وفي " الروضة " لضعف عنه ، أو كثرة شغل ، أو شدة حر . ( فإطعام ستين مسكينا ) لقوله تعالى : والذين يظاهرون الآيتين [ المجادلة : 3 ، 4 ] ولحديث خويلة امرأة أوس بن الصامت حين ظاهر منهما ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 47 ] تعتق رقبة قالت ، يعني امرأته : لا يجد ، قال : فيصوم شهرين متتابعين قالت : شيخ كبير ما به من صيام ، قال : فيطعم ستين مسكينا وهذا الترتيب لا خلاف فيه إذا كان المظاهر حرا ويأتي حكم العبد ( وكفارة الوطء في ) نهار ( رمضان مثلها في ظاهر المذهب ) وقد سبق . ( وكفارة القتل مثلهما ) لأن التحرير ، والصيام منصوص عليهما في كتاب الله تعالى ( إلا في الإطعام ففي وجوبه روايتان ) أصحهما لا يجب ، واختاره الأكثر ; لأنه لم يذكر في كتاب الله تعالى ، ولو كان واجبا لذكره كالعتق ، والصيام . والثانية : بلى ، اختارها في " التبصرة " و " الطريق الأقرب " ; لأنها كفارة فيها عتق وصوم ، فكان فيها إطعام ككفارة الظهار . ( والاعتبار في الكفارات بحال الوجوب في إحدى الروايتين ) ، وهي ظاهر الخرقي وجزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ; لأنها تجب على وجه الطهرة ، فكان الاعتبار بحال الوجوب كالحد . نص عليه ، فإذا وجب ، وهو عبد ، فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم ، لا يجزئه غيره . وقاله الأثرم ( فإن وجبت ، وهو موسر ، ثم أعسر لم يجزئه إلا العتق ) ، لأنه هو الذي وجب عليه ، فلا يخرج عن العهدة إلا به .

                                                                                                                          ( وإن وجبت ، وهو معسر فأيسر لم يلزمه العتق ) لأن غير ما وجب عليه ، لا يقال : الصوم بدل عن العتق ، فإذا وجد من يعتقه وجب الانتقال إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة ، أو فيها للفرق بينهما ، فإن الماء إذا وجد بعد التيمم بطل ، بخلاف الصوم ، فإن العتق لو وجد بعد فعله لم يبطل . ( وله الانتقال إليه إن شاء ) لأن العتق هو الأصل فوجب أن يجزئه كسائر الأصول [ ص: 48 ] ( وعنه في العبد إذا عتق لا يجزئه غير الصوم ) بناء على قولنا إن الاعتبار بحالة الوجوب ; لأنه حنث ، وهو عبد ، فلم يكن يجزئه إلا الصوم . وقد نص أحمد على أنه يكفر كفارة عبد . قال القاضي : وفيه نظر ، ومقتضاه أنه لا يلزمه التكفير بالمال ، فإن كفر به أجزأه ، ولأنه حكم تعلق بالعبد في رقه ، فلم يتغير بحريته كالحد ، وهذا على القول الذي لا يجوز للعبد التكفير بالمال بإذن سيده ، وعلى الأخرى هو كالحر ; لأن رقه جعله كالمعسر ، فإذا أتى بالعتق وجب أن يجزئه كالحر المعسر . ( والرواية الثانية : الاعتبار بأغلظ الأحوال ) لأنها حق يجب في الذمة بوجود المال فاعتبرت بأغلظ الأحوال كالحج . وجوابه : أن الحج عبادة العمر وجميعه وقت لها ، فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلافه هنا ، ( فمن أمكنه العتق من حين الوجوب إلى حين التكفير ، لا يجزئه غيره ) لأنه هو الواجب عليه ، ولا يجزئه غيره ; لأن فعله غير واجب عليه ( فإن شرع في الصوم ، ثم أيسر لم يلزمه الانتقال عنه ) . وقاله أكثر العلماء ; لأنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام أشبه ما لو استمر العجز إلى ما بعد الفراغ ، ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في البدل ، فلم يلزمه الانتقال إليه كالمتمتع يجد الهدي بعد الشروع في صيام الأيام السبعة ، ويفارق ما إذا وجد الماء في الصلاة ، فإن قضاءها يسير ، وروى البيهقي من حديث أبي القاسم البغوي ، ثنا علي بن الجعد ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، قال : السنة فيمن صام من الشهرين ، ثم أيسر أن يمضي . وذكر في " المبهج " ، وابن عقيل رواية : أنه يعتبر وقت الأداء ; لأنه حق له بدل من غير جنسه فاعتبر فيه حالة الأداء كالوضوء [ ص: 49 ] ( ويحتمل أن يلزمه ) الانتقال إليه ، وقاله ابن سيرين ، والحكم ; لأنه قدر على الأصل كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة ، أو فيها .

                                                                                                                          أصل : إذا تكلف العتق ممن فرضه الصيام أجزأه في الأصح وإذا قلنا : الاعتبار بحال الوجوب فوقته في الظهار من حين العود لا وقت المظاهرة ; لأن الكفارة لا تجب حتى يعود ووقته في اليمين من الحنث لا وقت اليمين ، فلو كان المظاهر ذميا فتكفيره بغير الصوم ; لأنه ليس من أهله ويتعين رقبة مؤمنة إذا كانت في ملكه ، فإن لم يكن ، فلا سبيل إلى شرائه ، ويتعين التكفير بالإطعام إلا أن يقول لمسلم : أعتق عبدك عن كفارتي وعلي ثمنه ، فيصح في رواية ، فلو ظاهر ، وهو مسلم ، ثم ارتد وصام فيها لم يجزئه ، وإن كفر بغيره . فقال أحمد : لا يجزئه ، وقال القاضي : المذهب أنه موقوف .




                                                                                                                          الخدمات العلمية