الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة ، وفي الخبز روايتان ، وإن كان قوت بلده غير ذلك أجزأ منه ; لقول الله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم ، وقال القاضي : لا يجزئه ولا يجزئ من البر أقل من مد ولا من غيره أقل من مدين ولا من الخبز أقل من رطلين بالعراقي ، إلا أن يعلم أنه مد . وإن أخرج القيمة ، أو غدى المساكين ، أو عشاهم لم يجزئه . وعنه : يجزئه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة ) وهو التمر والزبيب والبر والشعير ونحوها . وإخراج الحب أفضل للخروج من الخلاف ، وهي حالة كماله ; لأنه يدخر ويهيأ لمنافعه كلها ، بخلاف غيره .

                                                                                                                          ونقل ابن هانئ : التمر ، والدقيق أحب إلي مما سواهما . وفي " الترغيب " التمر أعجب إلى أحمد ، فإن أخرج دقيقا جاز ; لأنه أجزاء الحب . وقد كفاهم مؤنته ، وهيأه لهم ، بخلاف الهريسة فإنها تفسد عن قرب ، وفي السويق الخلاف السابق ، ( وفي الخبز روايتان ) . المنصوص الإجزاء اختارها الخرقي لقوله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم [ المائدة : 89 ] . والمطعم للخبز من أوسط ما يطعم أهله ، ولأنه مهيأ للأكل . والثانية : لا ، وهي ظاهر " المحرر " [ ص: 67 ] و " الفروع " ; لأنه خرج عن حال الكمال ، والادخار ، أشبه الهريسة . قال القاضي وأصحابه : الأولى الجواز ، وفي " المغني " هو أحسن ، وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار مقصودا في الكفارة ، فإنها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه ، وهذا مهيأ للأكل المعتاد للاقتيات به ، وأما الهريسة ، فإنها خرجت عن الاقتيات المعتاد إلى خبز الإدام . ( وإن كان قوت بلده غير ذلك ) كالذرة ، والأرز ( أجزأه منه ) في قول أبي الخطاب ، والمؤلف وغيرهما ، ( لقول الله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم ) ، وهذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص ، فإن أخرج عن قوت بلده أجود منه فقد زاده خيرا . واعتبر في " الواضح " غالب قوت بلده . وأوجب الشيخ تقي الدين وسطه قدرا مطلقا بلا تقدير ، ( وقال القاضي : لا يجزئه ) سواء كان قوت بلده ، أو لم يكن ; لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأصناف في الفطرة ، فلم يجز غيره كما لو لم يكن قوت بلده . والأول أجود ( ولا يجزئ من البر ) أو دقيقه ( أقل من مد ) . وقال زيد ، وابن عباس ، وابن عمر لما روى أحمد ، ثنا إسماعيل ، ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني ، قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر : أطعم هذا ، فإن مدي شعير مكان مد بر ، وعلى هذا يحمل ما روي عن سلمة بن صخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا ، فقال : أطعمه ستين مسكينا ، وذلك لكل مسكين مد . رواه الدارقطني ، وهو للترمذي بمعناه . ( ولا من غيره أقل من مدين ) لقوله عليه السلام : فإن مدي شعير مكان مد بر وهو مرسل جيد . ولأبي داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : يعني بالعرق زنبيلا يأخذ خمسة عشر صاعا ، وإذن العرقان [ ص: 68 ] ثلاثون صاعا فيكون لكل مسكين نصف صاع . ولأبي داود في رواية : العرق مكتل يسع ثلاثين صاعا ، وقال : هذا أصح . وعنه : مدان لكل واحد لحديث عطاء عن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكينا . رواه أبو داود ، وقال : عطاء لم يدرك أوسا . وروى الأثرم عن أبي هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق فيه خمسة عشر صاعا ، فقال : خذه وتصدق به ولأنه إطعام واجب ، فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة . وجوابه : بأنه يحتمل أنه لم يجد سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله ، وفي المتفق عليه قريب من عشرين صاعا ، وليس ذلك مذهبا لأحد . ( ولا من الخبز ) إذا قلنا بإجزائه ( أقل من رطلين بالعراقي ) أي : مع عدم العلم بأنه مد ; لأن الغالب أن ذلك لا يبلغ مدا ; لأنه ثلاثة أسباع الدمشقي ، وهو به خمس أواق وسبع أوقية ، فإن كان من الشعير ، فلا يجزئ إلا ضعف ( إلا أن يعلم أنه مد ) من الحنطة فيجزئ ; لأنه الواجب . وظاهر ما سبق أنه لا يجب الأدم بل هو مستحب ، نص عليه . وعنه : أنه ذكر قول ابن عباس بأدمه ، وذكره الشيخ تقي الدين رواية وأنه لا يجب التمليك في قياس المذهب كزوجة ، وأن الأدم يجب إذا كان يطعمه أهله ( وإن أخرج القيمة ) لم يجزئه . نقلها الميموي ، والأثرم ، وهو قول الأكثر ، منهم عمر ، وابن عباس ; لأن الواجب هو الإطعام ، وإعطاء القيمة ليس بإطعام ، فهو باق في عهدة الواجب . ( أو غدى المساكين ، أو عشاهم لم يجزئه ) مطلقا في ظاهر المذهب لأن المنقول عن الصحابة إعطاؤهم ، ولحديث كعب في فدية الأذى ، [ ص: 69 ] ولأنه مال وجب للفقراء شرعا أشبه الزكاة . ( وعنه : يجزئه ) أما أولا فلأن المقصود دفع حاجة المسكين ، وهو يحصل بدفع القيمة ، وأما ثانيا فالإجزاء مشروط ، فإذا أطعمهم القدر الواجب لهم ، ولم يقل الشيخ تقي الدين بالواجب ، وهو ظاهر نقل أبي داود وغيره عنه ، فإنه قال : أشبعهم ، قال : ما أطعمهم ؛ قال : خبزا ولحما إن قدرت ، أو من أوسط طعامكم . وأطعمأنس في فدية الصيام ، قال أحمد : أطعم شيئا كثيرا ، فعلى المذهب لو قدم إليهم مدا ، وقال : هذا بينكم فقبلوه ، فإن قال بالسوية أجزأ ، وإلا فوجهان . وقال القاضي : إن علم أنه وصل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ وإلا فلا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية