الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 104 ] فإن أعتقها ، أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر ، فهو ولده والبيع باطل . وكذلك إن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه سواء ادعاه البائع ، أو لم يدعه ، وإن استبرأت ، ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه . وكذلك إن لم تستبرئ ، ولم يقر المشتري له به . فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال إلا أن يتفقا عليه ، فيلحقه نسبه . وإن ادعاه البائع ، فلم يصدقه المشتري ، فهو عبد للمشتري ويحتمل أن يلحقه نسبه مع كونه عبدا للمشتري . وإذا وطئ المجنون من لا ملك له عليها ، ولا شبه ملك فولدت منه لم يلحقه النسب .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( فإن أعتقها ، أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر ، فهو ولده ) لأنها حملت به ، وهي فراش ; لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر ( والبيع باطل ) لأنها صارت أم الولد . ( وكذلك إن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه ) أي : من البائع لحقه نسبه ; لأنه وجد منه سببه ، وهو الوطء ، ولم يوجد ما يعارضه ، ولا يمنعه ، فتعين إحالة الحكم عليه ، ( سواء ادعاه البائع ، أو لم يدعه ) لأن الموجب لإلحاقه أنها لو أتت به في ملكه في تلك المدة للحق به . وانتقال الملك عنه لم يتجدد به شيء . وحكاه في " الفروع " قولا .

                                                                                                                          وقيل : يرى القافة . نقله صالح وحنبل . ونقل الفضل : هو له . قلت : في نفسه منه ، قال : فالقافة ، وإن ادعى كل منهما أنه للآخر ، والمشتري مقر بالوطء ، فالخلاف كذلك .

                                                                                                                          ( وإن استبرأت ، ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه ) ، لأن الاستبراء يدل على براءتها من الحمل ، وقد أمكن أن يكون من غيره لوجود مدة الحمل بعد الاستبراء مع قيام الدليل . فلو أتت به لأقل من ستة أشهر كان الاستبراء غير صحيح ، ( وكذلك إن لم تستبرئ ، ولم يقر المشتري له به ) لأنه ولد أمة المشتري ، فلا تقبل دعوى غيره له إلا بإقرار من المشتري ، ( فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال ) ، سواء ولدته لستة أشهر ، أو لأقل منها ; لأنه يحتمل أن يكون من غيره ، ( إلا أن يتفقا عليه ) أي : على [ ص: 105 ] الولد أنه ابن للبائع ، ( فيلحقه نسبه ) لأن الحق لهما يثبت باتفاقهما ، ( وإن ادعاه البائع ، فلم يصدقه المشتري ، فهو عبد للمشتري ) . ولا يقبل قول البائع في الإيلاد ; لأن الملك انتقل إلى المشتري في الظاهر ، فلا يقبل قول البائع فيما يبطل حقه كما لو باع عبدا ، ثم أقر أنه كان أعتقه . ( ويحتمل أن يلحقه نسبه مع كونه عبدا للمشتري ) لأنه يجوز أن يكون ولد الواحد مملوكا لآخر كولد الأمة المزوجة . والقول الآخر أنه لا يلحقه ، وهو الظاهر ; لأن فيه ضررا على المشتري ، فلو أعتقه كان أبوه أحق بميراثه منه . وقال الشيخ تقي الدين فيما إذا ادعى البائع أنه ما باع حتى استبرأ ، أو حلف المشتري أنه ما وطئها ، فقال : إن أتت به بعد الاستبراء لأكثر من ستة أشهر ، فقيل : لا يقبل قوله ويلحقه النسب . قال القاضي في " تعليقه " ، وهو ظاهر كلام أحمد ، وقيل : ينتفي النسب . اختاره القاضي في " المجرد " ، وابن عقيل ، وأبو الخطاب ، وهل يحتاج إلى اليمين على الاستبراء فيه وجهان .

                                                                                                                          ( وإذا وطئ المجنون من لا ملك له عليها ، ولا شبه ملك فولدت منه لم يلحقه النسب ) ، لأنه لا يستند إلى ملك ، ولا اعتقاد إباحة ، وعليه مهر المثل إن أكرهها على الوطء ; لأن الضمان يستوي فيه المكلف وغيره .

                                                                                                                          أصل : تبعية النسب للأب إجماعا ما لم ينتف منه فولد قرشي من غير قرشية قرشي ، ولا عكس . وتبعية حرية ورق للأم إلا من عذر للعيب ، أو غرور ويتبع خيرهما دينا . وقال الشيخ تقي الدين : ويتبع ما أكل أبواه ، أو أحدهما .

                                                                                                                          [ ص: 106 ] وفي " عيون المسائل " أنه يوجد عبد من حرة ، وهو ولد الأمة المعلق عتقها بمجيئه عبدا وفيه شيء .



                                                                                                                          مسائل : الأولى : ولد الزاني لا يلحق به ، وإن اعترف به . نص عليه . واختار الشيخ تقي الدين أنه إذا استلحق ولده من الزنا ، ولا فراش لحقه ، وفي " الانتصار " : يسوغ فيه الاجتهاد . وذكره ابن اللبان ، عن الحسن ، وابن سيرين ، وعروة ، والنخعي ، وإسحاق . وفي " الانتصار " يلحقه بحكم الحاكم . وذكر أبو يعلى الصغير مثله .

                                                                                                                          الثانية : إن أولد أمة له ولغيره ، أو أمة ولده لحقه نسبه ، وإن كان عبدا ، بخلاف أمة أحد أبويه . وفي أمة زوجته بإذنها روايتان . ومن خلا بزوجته الكتابية ، وهو مسلم صائم ، ثم طلق قبل الدخول فولدت من يمكن أنه منه لحقه على الأصح .

                                                                                                                          الثالثة : إذا زوج أمة من صغير ، لا يولد لمثله ، ثم وطئها سيدها فأتت بولد من وطئه لم يلحق نسبه به ، ولا بالزوج . وذكر ابن أبي موسى : لا يسترقه السيد بل يعتقه . قال : لأنه وإن لم يلحقه نسبه ، فهو منه . وإن اشترى أمة فوطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر لم يلحقه نسبه . وذكر ابن أبي موسى أنه يعتقه ، ولا يبيعه ; لأن الماء يزيد في السمع والبصر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية