الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          قال أصحابنا : ولا يؤخر الحد للمرض ، فإن كان جلدا وخشي من السوط ، أقيم بأطراف الثياب والعثكول ، ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله ، وإذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله ، وإن زاد سوطا أو أكثر فتلف ، ضمنه ، وهل يضمن جميعه ، أو نصف الدية ؛ على وجهين . وإذا كان الحد رجما لم يحفر له ، رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين وفي الآخر : إن ثبت على المرأة بإقرارها ، لم يحفر لها ، وإن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر ، ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم ، وإن ثبت بإقرار ، استحب أن يبدأ الإمام به .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( قال أصحابنا : ولا يؤخر الحد للمرض ) وقاله في الوجيز وزاد : والضعف ، لأنه لا فائدة فيه إذا كان قتله متحتما ، وكذا إن كان جلدا عند أكثر الأصحاب ، وقاله إسحاق وأبو ثور ، لأن عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره ، وانتشر ذلك في الصحابة ولم ينكر ، فكان كالإجماع ، ولأن الحد واجب على الفور ، ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة ، وقال القاضي : ظاهر قول الخرقي له تأخيره ، وهو قول الأكثر ، لحديث علي في التي هي حديثة عهد بنفاس ، ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال من غير إتلاف ، فكان أولى ، ومرض قدامة يحتمل أنه كان خفيفا لا يمنع من إقامة الحد على الكمال ، ثم إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على فعل عمر مع أنه اختيار علي وفعله ، وكذا الحكم في تأخيره لحر أو برد [ ص: 50 ] مفرط ( فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط ) لم يتعين على الأصح ( أقيم بأطراف الثياب والعثكول ) لما روى أبو أمامة بن سهل ، عن سعد بن عبادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأخذوا شمراخا فيضربوه بها ضربة رواه أحمد وابن ماجه ورواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن أبي أمامة عن بعض الصحابة من الأنصار ، ورواه سعيد ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، ويحيى بن سعيد سمعا أبا أمامة مرسلا ، قال ابن المنذر : في إسناده مقال ، ولأنه لا يجوز تركه بالكلية ، لأنه يخالف الكتاب والسنة ، ولا جلده تاما لأنه يفضي إلى إتلافه ، فتعين ما ذكرنا ( ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله ) لأن في تأخيره استيفاء الحد على وجه الكمال من غير خوف فواته ، وبه فارق المريض الذي لا يرجى زواله ، لأنه يخاف فوات الحد .

                                                                                                                          فرع : ذكر الخرقي أن العبد يضرب بدون سوط الحر ، لأن حده أقل عددا فيكون أخف سوطا ، والظاهر التسوية بينهما فيه ، لقوله تعالى : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] ولا يتحقق التنصيف إذا نصفنا العدد إلا مع تساوي الشريطين ( وإذا مات المحدود في الجلد ) ولو حد خمر ، نص عليه ، أو تأديب أو تعزير ، ولم يلزم تأخيره ( فالحق قتله ) ولا ضمان على أحد ، جلدا كان أو غيره ، لأنه حد وجب لله تعالى ، فلم يجب فيه شيء كالقطع في السرقة ، وهذا إذا أتى به على الوجه المشروع من غير زيادة ، لأنه نائب عن الله تعالى ، فكان التلف منسوبا إليه ، وقيل : يضمن المؤدب ( وإن زاد سوطا ) أو في السوط ( أو أكثر فتلف ضمنه ) بغير خلاف نعلمه ، لأنه تلف بعدوانه ، أشبه [ ص: 51 ] ما لو ضربه في غير الحد ( وهل يضمن جميعه ، أو نصف الدية ؛ على وجهين ) أحدهما : وهو رواية ، أنه تجب الدية كلها ، ذكر القاضي في الخلاف أنه أشبه بالمذهب ، وقدمه في الرعاية والفروع ، وجزم به في الوجيز ، لأنه قتل حصل من جهة الله تعالى وعدوان الضارب ، فكان الضمان على العادي كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله ، وكما لو ضربه بسوط لا يحتمله ، والثاني : نصف الدية ، وقاله الأكثر ، لأنه تلف بفعل مضمون وغيره ، فوجب نصفها ، كما لو جرح نفسه ، أو جرحه غيره ، فمات وسواء زاد خطأ أو عمدا ، لأنه يضمن كالعمد ، وكذا إن قال له الإمام : اضرب ما شئت ، وقيل : ديته على الأسواط إن زاد على الأربعين ، وفي واضح ابن عقيل : إن وضع في سفينة كذا ، فلم تغرق ، ثم وضع قفيزا فغرقت ، فغرقها بهما في أقوى الوجهين . والثاني : بالقفيز ، وكذا الشبع والري ، والسير بالدابة فراسخ ، والسكر بالقدح أو الأقداح ، كما ينشأ الغضب بكلمة بعد أخرى ويمتلئ الإناء بقطرة بعد قطرة ، ويحصل العلم بواحد بعد واحد .

                                                                                                                          فرع : إذا أمر بزيادة فزاد جهلا ، ضمنه الآمر ، وإلا فوجهان ، وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد ، وتعمد الإمام الزيادة شبه عمد تحمله العاقلة ، وقيل : كخطأ ، فيه الروايتان ( وإذا كان الحد رجما لم يحفر له ، رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين ) نص عليه ، لأنه عليه السلام لم يحفر لماعز ، قال أبو سعيد : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع ، فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ، ولكن قام لنا . رواه أحمد [ ص: 52 ] ومسلم . والمرأة كذلك . نصره في المغني ، وقدمه في الرعاية ، وجزم به في الوجيز ، لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر ( وفي الآخر : إن ثبت على المرأة بإقرارها ، لم يحفر لها ، وإن ثبت ببينة حفر لها ) إلى الصدر اختاره في الهداية والفصول والتبصرة ، وصححه أبو الخطاب ، لما روى أبو بكر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الصدر . رواه أبو داود . ولأن الحفر أستر لها ، ولا حاجة إلى تمكينها من الهرب ، بخلاف من أقرت ، لأن رجوعها عن الإقرار مقبول ، والحفر يمنعها من الهرب الذي هو في معنى الرجوع قولا ، وأطلق في عيون المسائل وابن رزين : يحفر لها فهو ستر ، بخلاف الرجل ، وإذا ثبت ذلك شد عليها ثيابها لئلا تنكشف ، لأمره عليه السلام بذلك ، رواه أبو داود من حديث عمران بن حصين ( ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم ) أي : إذا ثبت بها ، ويجب حضور الإمام أو نائبه ، وقال أبو بكر عن قول ماعز : ردوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قومي غروني ، يدل على أنه عليه السلام لم يحضر رجمه ، فبهذا أقول ، وحضور طائفة ولو واحدا ذكره أصحابنا ، وهو قول ابن عباس ، رواه ابن أبي طلحة ، وهو منقطع ، واختار في البلغة اثنان ، لأن الطائفة الجماعة ، وأقلها اثنان ، نقل أبو داود يجيء الناس صفوفا لا يختلطون ، ثم يمضون صفا صفا ، وذكر أبو المعالي أن الطائفة تطلق على الأربعة لقوله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة لأنه أول شهود الزنا ( وإن ثبت بإقرار استحب أن يبدأ الإمام به ) أو من يقيمه




                                                                                                                          الخدمات العلمية