الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، سواء كان فيها قتل أو لم يكن ، ويبدأ بغير القتل ، وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى بدئ بها . فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا ، قطعت يده أولا ، ثم حد للقذف ثم للشرب ثم للزنا ، ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، سواء كان فيها قتل أو لم يكن ) لأنها حقوق آدميين ، أمكن استيفاؤها ، فوجب كسائر حقوقهم ، لا يقال : يكتفى بالقتل في حقوق الله تعالى ، لأنها مبنية على السهولة ، بخلاف حق الآدمي ، فإنه مبني على الشح والضيق ( ويبدأ بغير القتل ) لأن البداءة به تفوت استيفاء باقي الحقوق ( وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى ، بدئ بها ) أي : إذا اجتمعت حقوق الله وحقوق الآدميين ، فهي أنواع : أحدها : ألا يكون فيها قتل ، فهذه تستوفى كلها في قول الأكثر ، فيبدأ بحد القذف ، إلا إذا قلنا : حد الشرب أربعون ، فإنه يبدأ به لخفته ، ثم حد القذف ، وأيهما قدم فالآخر يليه ، ثم الزنا ، ثم القطع ، وقال أبو الخطاب : يبدأ بالقطع قصاصا ، ثم بالقذف ، ثم للشرب ، ثم للزنا .

                                                                                                                          الثاني : إذا كان فيها قتل فإنها تدخل حقوق الله تعالى في القتل ، سواء كان من حدود الله ، كالرجم في الزنا ، أو لحق الآدمي ، كالقصاص ، وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، وإن كان القتل حقا لله تعالى استوفيت الحقوق كلها متوالية ، لأنه لا بد من فوات نفسه ، فلا فائدة في التأخير ، وإن كان القتل حقا لآدمي انتظرنا لاستيفاء الثاني برأه من الأول ، لأن الموالاة بينهما يحتمل أن [ ص: 56 ] تفوت نفسه قبل القصاص ، فيفوت حق الآدمي ، ولأن العفو جائز ، فيحتمل بتأخيره أن يعفو الولي فيحيى .

                                                                                                                          الثالث : أن يتفق الحقان في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا ، قدم القصاص على الرجم في الزنا ، ويبدأ بالأسبق من القتل في المحاربة والقصاص ، لأن كلا منهما حق آدمي ، وإن سبق القصاص قتل قصاصا ولم يصلب ، كما لو مات ويجب لولي المقتول في المحاربة ديته ، وإن مات القاتل في المحاربة وجبت الدية في تركته ، وقدم القصاص على الحد المتمحض في القطع ، ولو تأخر سببه ، فإن عفا ولي الجناية استوفى الحد ، والقطع في المحاربة حد محض ، وليس بقصاص ، والقتل يتضمن القصاص ، ولهذا لو فات القتل في المحاربة وجبت الدية ، ولو فات القطع لم يجب له ( بدل فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا ، قطعت يده أولا ) لأنه متمحض حق آدمي ، بدليل سقوطه بإسقاطه ( ثم حد للقذف ) لأنه مختلف في كونه لآدمي ( ثم للشرب ) لأنه أخف ( ثم للزنا ) لأنه أشد الحدود ، وفي المحرر والوجيز : إذا اجتمع عليه قتلان بردة وقود ، وقطعان بسرقة وقود ، قطع وقتل لهما ، وقيل : للقود خاصة ، وفي الشرح : إذا سرق وقتل في المحاربة ، ولم يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب ولم تقطع يده ( ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله ) لئلا يؤدي إلى تلفه بتوالي الحدود عليه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية