الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وتوبة المرتد إسلامه ، وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، إلا أن تكون ردته بإنكار فرض ، أو إحلال محرم ، أو جحد نبي ، أو كتاب ، أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة ، فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ، يشهد أن محمدا بعث إلى العالمين ، أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام . وإذا مات المرتد ، فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة ، حكم بإسلامه . ولا يبطل إحصان المسلم بردته ، ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام . .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وتوبة المرتد ) وكل كافر ( إسلامه ، وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ) لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله عز وجل . متفق عليه . وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي ، فكذا المرتد ، ولا يحتاج مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته ، وهذا يمكن لمن كانت ردته بجحد الوحدانية ، أو جحد رسالة محمد عليه السلام ، وظاهره : لا يغني قوله : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عن كلمة التوحيد ، وعنه : [ ص: 182 ] بلى ، قدمها في " الرعاية " ، لأن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أشهد أنك رسول الله ، ثم مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صلوا على صاحبكم ، ذكره أحمد في رواية مهنا محتجا به ، ولأنه لا يقر برسالة محمد إلا ويقر بمن أرسله ، وعنه : من مقر به ، قال في " الشرح " : وبهذا جاءت الأخبار ، وهو الصحيح ، لأن من جحد شيئين لا يزول جحده إلا بإقرارهما جميعا ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال : يكفي التوحيد ممن لا يقر به لظاهر الأخبار ، ولخبر أسامة وقتله الكافر الحربي بعد قوله : لا إله إلا الله . لأنه مصحوب بما يتوقف عليه الإسلام ، ومستلزم له وفاقا للشافعية وغيرهم ، فلو قال : أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، لم يحكم بإسلامه ، لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا صلى الله عليه وسلم ( إلا أن تكون ردته بإنكار فرض ، أو إحلال محرم ، أو جحد نبي ، أو كتاب ، أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة ، فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ) لأن ردته بجحده ، فإذا لم يقر بما جحده بقي الأمر على ما كان عليه من الردة الموجبة لتكفيره ، فإذا كانت ردته باعتقاد أن محمدا بعث إلى العرب فلا بد وأن ( يشهد أن محمدا بعث إلى العالمين ) ولا بد أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين ، ولا يكفي مجرد إقراره بما جحده ( أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام ) لأنه يحتمل أن يريد بالشهادة ما يعتقده ولأن الرجوع إلى الإسلام لا يكون إلا بذلك .

                                                                                                                          فرع : يكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح كرجوعه عن حد لا بعد بينة ، بل يجدد إسلامه ، قال جماعة : يأتي بالشهادتين ، ونقل ابن الحكم [ ص: 183 ] فيمن أسلم ثم تهود ، أو تنصر ، فشهد عليه عدول ، فقال : لم أفعل ، وأنا مسلم ، قبل قوله ، قال الشيخ تقي الدين : اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله ، وإن لم يحكم به حاكم ، ولا يحتاج إلى أن يقر بما شهد عليه به ، فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره إلى ذلك قد يكون كذبا ، ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار كالإقرار الصحيح ، فإنه قد علم أنه لقنه ، وأنه فعله خوف القتل ، وهو إقرار تلجئة .

                                                                                                                          تنبيه : ظاهر كلامه أنه إذا قال : أنا مؤمن أو مسلم ، لم يكتف بذلك ، ونقل أبو طالب في اليهودي إذا قال : قد أسلمت ، أو أنا مسلم ، يجبر عليه ، قد علم ما يراد منه ، ونصر القاضي ، وابن البنا الاكتفاء بذلك عن الشهادتين ، لما روى المقداد أنه قال : يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار ، فقاتلني ، فضرب إحدى يدي بالسيف ، فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت ، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؛ قال : لا تقتله . رواه مسلم . ولأن ذلك اسم لشيء ، فإذا أخبر به فقد أخبر بذلك الشيء ، وذكر المؤلف احتمالا : أن هذا في الكافر الأصلي ، أو من جحد الوحدانية ، أما من كفر بجحد نبي ، أو كتاب ، أو فريضة ، ونحوه فلا يصير مسلما بهذا ، لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه ، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم مسلمون ومنهم من هو كافر .

                                                                                                                          فرع : إذا شهد عليه بأنه كفر ، وادعى الإكراه ، قبل مع قرينة ، ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه ، قبل مطلقا في الأصح ، لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة ، وإن أسلم على صلاتين ، قبل منه وأمر بالخمس .

                                                                                                                          ( وإذا مات المرتد ، فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه ) لقوله [ ص: 184 ] عليه السلام : من صلى صلاتنا . الخبر . سواء صلى في جماعة ، أو منفردا ، في دار الحرب ، أو الإسلام ، لأنها ركن يختص به الإسلام ، فحكم بإسلامه ، كالشهادتين ، ولأن ما كان إسلاما في دار الحرب كان إسلاما في دار الإسلام كالشهادتين ، ومقتضاه : أنها إذا شهدت بأنه أتى بغيرها من زكاة ، أو صوم ، أو حج لا يحكم بإسلامه ، ولا يثبت الإسلام حتى تتميز عن صلاة الكهان ، ولا تحصل بمجرد القيام ، وذكر ابن تميم : أن من حج أو صام - يقصد رمضان - أو آتى ماله على وجه الزكاة ، أو أذن في غير محل الأذان - قال ابن حمدان : وقته - هل يحكم بإسلامه ؛ على وجهين ، واختار القاضي : أنه يحكم بإسلامه بالحج فقط ، ( ولا يبطل إحصان المسلم بردته ) يعني : إذا كان محصنا فارتد ، ثم أسلم لم يزل إحصانه ، بل إذا زنى فإنه يرجم ، لأنه ثبت له حكم الإحصان ، والأصل بقاء ما كان عليه ( ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام ) لأنه فعلها على وجهها ، وبرئت ذمته منها ، فلم تعد إلى ذمته كدين الآدمي ، وفي " الرعاية " : في الصوم وجهان في وجوب القضاء ، وقدم فيها ، وفي " المحرر " : أنه إذا صلى ، ثم كفر ، ثم أسلم في وقتها لم يعدها ، وقيل : بلى ، وإن حج ، ثم كفر ، ثم أسلم فروايتان ، أشهرهما : لا يعيد .




                                                                                                                          الخدمات العلمية