الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ، ومن ارتد لم يزل ملكه بل يكون موقوفا ، وتصرفاته موقوفة ، فإن أسلم ثبت ملكه ، وتصرفاته ، وإلا بطلت ، وتقضى ديونه ، وأروش جناياته ، وينفق على من تلزمه مؤنته ، وما أتلف من شيء ضمنه ، ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته ، وقال أبو بكر : يزول ملكه بردته ، ولا يصح تصرفه ، وإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا ، وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات الخمس ؛ على روايتين . وإذا ارتد الزوجان ، ولحقا بدار الحرب ، ثم قدر عليهما ، لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام ، ومن لم يسلم منهم قتل ، ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة ، وهل يقرون على كفرهم ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( ومن ارتد لم يزل ملكه ) أي : لا يحكم بزوال ملكه ، قدمه في " الكافي " ، و " المحرر " ، و " المستوعب " ، ونصره في " الشرح " ، لأن الردة سبب يبيح دمه ، فلم يزل ملكه بها ، كزنا المحصن ، لأن زوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك كالقاتل [ ص: 185 ] في المحاربة ، وأهل الحرب ( بل يكون موقوفا ، وتصرفاته ) من البيع والهبة والوقف ونحوه ( موقوفة ) على المذهب ، قاله ابن المنجا : لأنه مال تعلق به حق الغير ، فكان التصرف فيه موقوفا ، كتبرع المريض ، ولكن المذهب : أنه يمنع من التصرف فيه ، قاله القاضي ، وأصحابه ، وفي " الوسيلة " نص عليه ، ونقل ابن هانئ : يمنع منه ، واختار المؤلف : أنه يترك عند ثقة ، وجعل في " الترغيب " كلام القاضي والمؤلف واحدا ، وكذا ذكره ابن البنا وغيره ، ونص عليه أحمد ، ولم يقولوا : يترك عند ثقة ، بل قالوا : يمنع منه ( فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته ) وكان ذلك صحيحا ( وإلا بطلت ) أي : إذا مات أو قتل في ردته ، كان باطلا تغليظا عليه بقطع ثوابه بخلاف المريض ، وينتقل ماله فيئا من حين موته ، وفي " المحرر " : على ذلك تنفذ معاوضته ، ويقر بيده ، وتوقف تبرعاته ، وترد بموته مرتدا ، ( وتقضى ديونه ) لا دين متجدد في الردة ( وأروش جناياته ) لأن ذلك حق واجب عليه ( وينفق على من تلزمه مؤنته ) لأن ذلك واجب بإيجاب الشرع ، أشبه الدين ( وما أتلف من شيء ضمنه ) نص عليه ، لأن الإتلاف يوجب الضمان على المسلم ، فلأن يوجب على المرتد بطريق الأولى ، وعنه : إن فعله بدار حرب ، أو في جماعة مرتدة ، ممتنعة فلا ، اختاره الخلال ، وصاحبه ، والمؤلف ، لفعل الصحابة ، وكالكافر الأصلي إجماعا ، وقيل : هم كبغاة ، قال : وإن المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن إجماعا .

                                                                                                                          فرع : يؤخذ بحد فعله في ردته نص عليه كقبلها ، وظاهر نقل مهنا ، واختاره جماعة : إن أسلم فلا ، كعبادته ، ( ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن [ ص: 186 ] ما أتلفته ) لأنها في معنى البغاة ، ولأن الباغي إنما لم يضمن ما أتلفه ، لأن في تضمينه تنفيرا له عن الرجوع إلى قبضة الإمام ، وهذا المعنى موجود في الجماعة المرتدة الممتنعة ، وصحح في " الشرح " ، و " الرعاية " أنه لا ضمان عليهم فيما أتلفوه حال الحرب ( وقال أبو بكر : يزول ملكه بردته ) واختاره أبو إسحاق ، وصاحب " التبصرة " ، و " الطريق الأقرب " ، وهو رواية ، لأن عصمة نفسه ، وماله إنما يثبت بإسلامه ، فزوال إسلامه مزيل عصمتهما ، كما لو لحق بدار الحرب ، ولأن المسلمين ملكوا إراقة دمه بردته ، فوجب أن يملكوا أمواله بها ، وعنه : إن مات أو قتل تبينا زواله من حين ردته ، فلو باع شقصا مشفوعا أخذ على الأولى ، وعلى الثانية يجعل في بيت المال ( ولا يصح تصرفه ) لأن ملكه قد زال بردته ، وجوابه : أن ملكه قد تعلق به حق غيره في بقاء ملكه فيه ، فكان تصرفه موقوفا ، كتصرف المريض .

                                                                                                                          ( وإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا ) أي : جديدا لزواله بردته .

                                                                                                                          تذنيب : إذا تزوج لم يصح ، لأنه لا يقر على النكاح كنكاح الكافر مسلمة ، وكذا لو زوج موليته لأن النكاح لا يكون موقوفا ، فلو وجد منه سبب يقتضي التمليك كالصيد ، والاتهاب ، والشراء ، ثبت الملك إن بقي ملكه ، وإلا فلا ، واحتج به في " الفصول " على بقاء ملكه ، وأن الدوام أولى ، وعلى رواية يرثه مسلم ، أو أهل دينه الذي اختاره ، فكمسلم فيه ، وفي " الانتصار " : لا قطع بسرقته لعدم عصمته ( وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات الخمس ؛ على روايتين ) إحداهما : يقضي ، صححها في " الرعاية " ، وجزم بها في " الوجيز " ، لأنها [ ص: 187 ] عبادة واجبة التزم بوجوبها ، واعترف به في زمن إسلامه فلزمه القضاء كغير المرتد ، والثانية : لا يلزمه ، وهي الأشهر ، لقوله تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ] الأنفال : 38 [ وكالحربي ، ولأن أبا بكر رضي الله عنه لم يأمر المرتدين بقضاء ما فاتهم ، وقدم المجد ، وابن تميم : أنه يلزمه قضاء ما تركه قبل الردة من صلاة ، وصوم ، وزكاة ، وقيل : الحج ، رواية واحدة ، وذكر ابن تميم ، وابن حمدان : أنه لو جن بعد تركه لم تسقط عنه الصلاة ، وإن حاضت سقطت .

                                                                                                                          ( وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ، ثم قدر عليهما ، لم يجز استرقاقهما ) لأنه لا يقر على الردة ، يدل عليه قوله عليه السلام : من بدل دينه فاقتلوه ولم ينقل أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ، ولا يثبت لهم حكم الردة ، وقول علي : تسبى المرتدة ، ضعفه أحمد ( ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام ) لأنه محكوم بإسلامه بإسلام والده ، وكولد من أسر من ذمة ( ومن لم يسلم منهم قتل ) للخبر ، ويعتبر فيه بلوغهم ( ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة ) في المنصوص ، لأنه محكوم بكفره ، لأنه ولد بين أبوين كافرين ، وليس بمرتد ، نص عليه ، وهو ظاهر كلام جماعة ، كولد الحربيين ، وعنه : لا يجوز استرقاقهم .

                                                                                                                          فرع : الحمل حال ردته - ظاهر كلام الخرقي - أنه كالحادث بعد كفره ، واقتصر عليه في " الشرح " ، وفي " الكافي " الحمل كالولد الظاهر ، لأنه موجود ، ولهذا يرث ( وهل يقرون ؛ ) أي : من ولد بعد الردة ( على كفرهم على روايتين ) .

                                                                                                                          إحداهما ، وجزم بها في " الوجيز " : يقر على كفره ، كأولاد أهل الحرب ، وكالكافر [ ص: 188 ] الأصلي ، والجامع بينهما اشتراكهما في جواز الاسترقاق .

                                                                                                                          والثانية : لا يقرون ، فإذا أسلموا رقوا ، لأنهم أولاد من لا يقر على كفر ، فلا يقرون كالموجودين قبل الردة ، قال في " الفروع " : وهل يقر بجزية ، أم الإسلام ، ويرق ، أو القتل ؛ فيه روايتان .

                                                                                                                          فرع : إذا لحق بدار حرب ، فهو وما معه كحربي ، وما بدارنا فيء من حين موته . ولو ارتد أهل بلد ، وجرى فيه حكمهم ، فدار حرب يغنم مالهم ، وولد حدث بعد الردة ، وعلى الإمام قتالهم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية