الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          " التحيات لله " .

                                                                                                                          التحيات : جمع تحية ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما التحية : العظمة ، وقال أبو عمرو التحية : الملك وقال ابن الأنباري التحيات : السلام ، وقال بعض أهل اللغة : البقاء وحكى الأربعة المصنف رحمه الله في " المغني " وقيل : السلامة من الآفات . قال أبو السعادات : وإنما جمع التحية ؛ لأن ملوك الأرض يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم : أبيت اللعن ، ولبعضهم : أنعم صباحا ، ولبعضهم : اسلم كثيرا ، ولبعضهم : عش ألف سنة ، فقيل للمسلمين : قولوا : التحيات لله ؛ أي الألفاظ التي تدل على السلام والملك والبقاء هي لله عز وجل .

                                                                                                                          " والصلوات " . هي الصلوات الخمس عن ابن عباس ، وقال عياض في " المشارق " : والصلوات لله ، قيل : الرحمة له ومنه ؛ أي هو المتفضل بها وقيل : الصلوات [ ص: 80 ] المعلومة في الشرع ؛ أي هو المعبود بها ، وقال الأزهري : هي العبادات كلها وقيل : هي الأدعية .

                                                                                                                          " والطيبات " . هي الأعمال الصالحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال ابن الأنباري : الطيبات من الكلام . حكاهما في " المغني " .

                                                                                                                          " السلام عليك " .

                                                                                                                          قال الأزهري : فيه قولان ، أحدهما : اسم السلام ، ومعناه اسم الله عليك ومنه قول لبيد :


                                                                                                                          إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

                                                                                                                          .

                                                                                                                          والثاني : أن معناه : سلم الله عليك تسليما وسلاما ، ومن سلم الله عليه سلم من الآفات كلها .

                                                                                                                          " أيها النبي " .

                                                                                                                          قال القاضي عياض : النبيء مهموز ولا يهمز من جعله من " النبأ " همزه ؛ لأنه ينبئ الناس ، أو لأنه ينبأ هو بالوحي ، ومن لم يهمز إما سهله وإما أخذه من النبوة ، وهي الارتفاع لرفعة منازلهم على الخلق ، وقيل : هو مأخوذ من النبيء الذي هو الطريق ؛ لأنهم هم الطرق إلى الله تعالى .

                                                                                                                          " وبركاته " .

                                                                                                                          جمع بركة ، قال الجوهري : البركة : النماء والزيادة ، وكذلك نقل القاضي عياض وغيره .

                                                                                                                          " وعلى عباد الله الصالحين " .

                                                                                                                          عباد : جمع عبد وله أحد عشر وجها ، جمعها شيخنا أبو عبد الله بن مالك رحمه الله في هذين البيتين :


                                                                                                                          عباد عبيد جمع عبد وأعبد     أعابد معبوداء معبدة عبد
                                                                                                                          كذلك عبدان وعبدان أثبتا     كذاك العبدى وامدد إن شئت أن تمد

                                                                                                                          .

                                                                                                                          وقال أبو علي الدقاق : ليس شيء أشرف ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف [ ص: 81 ] بها . و " الصالحين " جمع صالح قال صاحب " المشارق " وغيره : الصالح : وهو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد .

                                                                                                                          " أشهد أن لا إله إلا الله " .

                                                                                                                          قال الجوهري : الشهادة خبر قاطع ، : والمشاهدة المعاينة ، فقول الموحد " أشهد أن لا إله إلا الله " بمعنى : أخبر بأني قاطع بالوحدانية ، فالقطع من فعل القلب ، واللسان مخبر عن ذلك . و " الله " مرفوع على البدل من موضع " لا إله " ؛ لأن موضع " لا " مع اسمها رفع بالابتداء ، ولا يجوز نصبه حملا على إبداله من اسم " لا " المنصوب ؛ لأن " لا " لا تعمل النصب إلا في نكرة منفية و " الله " معرف مثبت . وهذه الكلمة وإن كان ابتداؤها نفيا ، فالمراد بها غاية الإثبات ونهاية التحقيق ، فإن قول القائل : لا أخ لي سواك ، ولا معين لي غيرك ، آكد من قوله : أنت أخي ، وأنت معيني . ومن خواصها : أن حروفها كلها مهملة ليس فيها حرف معجم ، تنبيها على التجرد من كل معبود سوى الله تعالى ، ومن خواصها : أن جميع حروفها جوفية ، ليس فيها شيء من الشفوية ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الذكر لا إله إلا الله " .

                                                                                                                          " هذا التشهد الأول " .

                                                                                                                          سمي التشهد تشهدا ؛ لأن فيه شهادة " أن لا إله إلا الله " وهو تفعل من الشهادة .

                                                                                                                          " وعلى آل إبراهيم " .

                                                                                                                          إبراهيم فيه ست لغات : إبراهيم وإبراهام وإبرهوم وإبرهم وإبرهم وإبرهم . وقد نظمها أبو عبد الله بن مالك فقال :

                                                                                                                          [ ص: 82 ]

                                                                                                                          تثليثهم هاء إبراهيم صح بمد     أو بقصر ووجها الضم قد عرفا وجمعه

                                                                                                                          : أباره وبراهم وبراهمة . قال الماوردي : معناه بالسريانية أب رحيم . قال الجوهري : وتصغيره أبيره ؛ لأن الألف أصل غير زائدة ، وكذلك إسماعيل وإسرافيل ، وهذا قول المبرد . وبعضهم يتوهم أن الهمزة زائدة إذا كان الاسم أعجميا لا يعلم اشتقاقه ، فيصغره على بريهم وسمعيل وسريفل ، وهذا قول سيبويه وهو حسن ، والأول قياس ومنهم من يقول : بريه بطرح الهمزة والميم .

                                                                                                                          " ثم يقول : اللهم صل " .

                                                                                                                          قد تقدم معنى الصلاة والآل في الخطبة فلا يعاد ، واللهم أصله : يا الله ، حذف حرف النداء وعوض عنه بالميم .

                                                                                                                          " إنك حميد مجيد " .

                                                                                                                          قال الخطابي : الحميد : هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، وهو الذي يحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء ؛ لأنه حكيم لا يجري في أفعاله غلط ولا يعترضه الخطأ ، فهو محمود على كل حال . وقالالخطابي أيضا : المجيد هو الواسع الكرم ، وأصل " المجد " في كلامهم : السعة ، يقال رجل ماجد : إذا كان سخيا واسع العطاء . وقيل في تفسير قوله تعالى : والقرآن المجيد [ ق 2 ] معناه : الكريم ، وقيل : الشريف ، وقال القاضي عياض : المجيد العظيم ، وقيل : المقتدر على الإنعام والفضل .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية