الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يكبر ويخر ساجدا ، ولا يرفع يديه ، فيضع ركبتيه ، ثم يديه ، ثم جبهته وأنفه ، ويكون على أطراف أصابعه ، والسجود على هذه الأعضاء واجب ، إلا الأنف على إحدى الروايتين ، ولا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها إلا الجبهة على إحدى الروايتين ، ويجافي عضديه عن جنبيه ، وبطنه عن فخذيه ، ويضع يديه ، حذو منكبيه ، ويفرق بين ركبتيه ، ويقول : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يكبر ويخر ساجدا ) للنصوص ( ولا يرفع يديه ) في ظاهر المذهب لقول ابن عمر : وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه ، وعنه : بلى ، وعنه : في كل خفض ورفع ، وفيه عن ابن عمر ، وأبي حميد أحاديث صحاح ، وحيث استحب [ ص: 452 ] رفعهما فقال أحمد : هو من تمام الصلاة ، من رفع أتم صلاة ، وعنه : لا أدري ، قال القاضي : إنما توقف على نحو ما يقوله ابن سيرين أن الرفع من تمام صحتها ، لأنه قد حكي عنه : أن من تركه يعيد ، ولم يتوقف أحمد عن التمام الذي هو تمام فضيلة وسنة ، ومن تركه فقد ترك السنة ( فيضع ركبتيه ، ثم يديه ) على المشهور في المذهب ، وهو قول عامتهم لما روى وائل بن حجر قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه رواه النسائي ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال : حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير شريك ، والعمل عليه عند أكثرهم ، ورواه أبو داود بإسناد جيد من غير طريق شريك ، ولأنه أرفق بالمصلي ، وأحسن في الشكل ، ورأي العين ، وعنه : عكسه ، لما روى أبو هريرة مرفوعا قال : إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ، ولا يبرك بروك البعير رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، لكن قال الخطابي : حديث وائل أصح ، وقال الحاكم : هو على شرط مسلم ، وتقدير مساواته فهو منسوخ بما روى ابن خزيمة عن أبي سعيد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين لكنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل ، وقد تكلم فيه ابن معين والبخاري ، والمراد باليدين ها هنا الكفان ( ثم جبهته ، وأنفه ) بغير خلاف لما روى أبو حميد الساعدي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض رواه الترمذي ، وصححه ( ويكون على أطراف أصابعه ) أي : أصابع رجليه ، ويثنيهما إلى القبلة ذكره في " المغني " و " الشرح " لقوله عليه السلام : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ذكر منها [ ص: 453 ] أطراف القدمين ، وفي الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد غير مفترش ، ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف رجليه القبلة ، وفي رواية : وفتخ أصابع رجليه وفي " المستوعب " أنه يقيم قدمه ، ويجعل بطون أصابعهما على الأرض ، وقال في " التلخيص " : يجب جعل باطن أطرافها إلى القبلة ، إلا أن يكون فيهما نعال أو خف ، وقيل : يجب فتخها إن أمكن ، قال في " الرعاية " : ويكره أن يلصق كعبيه في سجوده قاله في " المستوعب " .



                                                                                                                          فرع : إذا سقط على جنبه بعد قيامه من الركوع ، ثم انقلب ساجدا لم يجزئه سجوده حتى ينويه ، لأنه خرج عن سنن الصلاة وهيئتها ، وإن سقط منه ساجدا أجزأه بغير نية ، لأنه على هيئتها فلو قطع النية عن ذلك لم يجزئه ، قال ابن تميم وغيره : ولا تبطل صلاته .



                                                                                                                          ( والسجود على هذه الأعضاء واجب ) أي : ركن مع القدرة اختاره الأكثر ، وذكره ابن الجوزي قولا واحدا ، وعنه : لا يجب على غير الجبهة ، ذكرها الآمدي لقوله عليه السلام : سجد وجهي فدل على أن السجود على الوجه ، وبه يسمى ساجدا لا بوضع غيره من الأعضاء ، ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة ، قال القاضي في " الجامع " : هذا ظاهر كلام أحمد ، فإنه قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه ، ومعلوم أنه قد أخل بالسجود على يديه ، ذكره في " المغني " و " الشرح " فعلى هذه فيكون السجود على البقية سنة ، والأول أولى ، لما روى ابن عباس مرفوعا : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة ، وأشار بيده إلى أنفه ، واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين متفق عليه ، وقال : إذا سجد أحدكم سجد معه سبعة آراب : [ ص: 454 ] وجهه ، وكفاه ، وركبتاه ، وقدماه رواه مسلم ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بأن سجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه ، وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود ، فإنا نمنع في الجبهة على رواية ، ولو سلم فالجبهة هي الأصل في السجود ، وهي تكشف عادة بخلاف غيرها ( إلا الأنف ) فإنه لا يجب السجود عليه ( على إحدى الروايتين ) اختارها جماعة ، وهي ظاهر " الوجيز " وصححها القاضي قاله في الوسيلة ، لأنه عليه السلام لم يذكر الأنف منها ، وعن جابر قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر رواه تمام في " فوائده " وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف ، والثانية : " ركن " ذكر ابن هبيرة أنها المشهورة ، وقدمها ابن تميم والجد ، وصححها ابن المنجا وغيره لما تقدم ، فمتى أخل بالسجود على عضو من هذه لم تصح .



                                                                                                                          تنبيه : إذا عجز عن السجود بغير الجبهة سجد بما يقدر عليه ما أمكنه ، ولا يجب أن يرفع إليه شيئا يسجد عليه ، لأنه هو الهبوط ، ولا يحصل بالرفع ، وإن عجز عن الجبهة لعارض من مرض أو غيره سقط عنه السجود بما يقدر عليه ، قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه : إنه يجزئه ، حكاه في " المغني " و " الشرح " وصححه ابن تميم ، وقيل : لا يسقط ، جزم به القاضي في " التعليق " لأنه لا يمكن وضعه بدون بعضها ، ويمكن رفعه بدون شيء منها ، ويجزئه بعض كل عضو منها ، وذكر في " التلخيص " أنه يجب سجوده بباطن كفه أو بعضه ، وفي " الرعاية " وقيل : وأصابعه ، وهو قول ابن حامد ، ولا يجزئ سجوده على كلاهما عن جبهته وفاقا ، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الإجزاء ، قال : ولا أعلم أحدا سبقه إلى هذا ، قلت : ولعله ذهب إلى أن الجبهة ، والأنف عضو واحد ، [ ص: 455 ] لإشارته عليه السلام إليه ، والعضو الواحد يجزئ السجود على بعضه .

                                                                                                                          ( ولا تجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها ) أي : من أعضاء السجود ، وهو إجماع في القدمين ، لصحة صلاة لابس الخفين ، وفي الركبتين لاتصالهما بالعورة أو منها ، عند بعض ، وقول الجمهور في اليدين لما روى عبد الله بن عبد الرحمن قال : جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل ، فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد رواه أحمد ، وابن ماجه ( إلا الجبهة ) فإنه يجب عليه مباشرة المصلى بها ( على إحدى الروايتين ) ذكرها أبو الخطاب لقول خباب : شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا ، فلم يشكنا رواه البيهقي ، ومسلم ، وليس فيه جباهنا وأكفنا ، وعن علي قال : إذا سجد أحدكم فليحسر العمامة عن جبهته . رواه البيهقي ، وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة ، ولأنه سجد على ما هو حائل له ، أشبه ما لو سجد على يديه ، والثانية : لا يجب ، وهي الأصح في المذهب ، ونصرها في " المغني " و " الشرح " وقدمها في " المحرر " و " الفروع " لما روى أنس قال : كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود متفق عليه . قال البخاري : قال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ، ويداه في كمه . وروى البيهقي عن الحسن قال : كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجدون ، وأيديهم في ثيابهم ، وعلى عمائمهم . وذكر القاضي أنه لو سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله صحت صلاته رواية واحدة ، والجواب عن حديث خباب أنهم طلبوا منه ما يزيل عنهم ضرر الرمضاء في جباههم وأكفهم بتأخير الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحوه ، لا أنهم طلبوا الرخصة في السجود على العمائم ، والأكمام ، لأنه إنما طلبه الفقراء ، ولم يكن لهم عمائم ، ولا أكمام طوال [ ص: 456 ] يتقون بها الرمضاء ، وعلى الصحة ففي كراهة حائل متصل حتى طين كثير روايتان ، ولا يكره لعذر ، نقله صالح ، وغيره ، وذكر السامري أن ظاهر ما نقله أكثر الأصحاب لا فرق ، قال في " الفروع " : وليس بمراد ، بل قال جماعة : يكره بمكان شديد الحر والبرد ، قال ابن شهاب : لترك الخشوع ، كمدافعة الأخبثين .



                                                                                                                          مسألتان : الأولى : إذا سجد على يديه لم يجزئه قولا واحدا ، لأن السجود فيها يفضي إلى تداخل أعضاء السجود ، قال القاضي في الجامع : لم أجد عن أحمد نصا فيها ، ويجزئه إن قلنا : لا يجب السجود على غير الجبهة ، وإن قلنا بالوجوب ، فلا ، لئلا يتداخل محل السجود بعضه في بعض .

                                                                                                                          الثانية : إذا علا موضع رأسه على موضع قدميه فلم تستعل الأسافل بلا حاجة جاز ، وقيل : يكره ، وقيل : تبطل ، وقيل : إن كثر ، وقال في " التلخيص " : التنكيس في السجود ، وهو استعلاء الأسافل واجب ، والصحيح أن اليسير لا بأس به دون الكثير ، ولم يذكر جماعة التنكيس في الواجبات ، والسنن .



                                                                                                                          ( و ) يسن أن ( يجافي عضديه عن جنبيه ، وبطنه عن فخذيه ) وفخذيه عن ساقيه ، لما في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يجنح حتى يرى وضح إبطيه وعن أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ، ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع كفيه حذو منكبيه رواه أبو داود ، وقال أبو عبد الله في " رسالته " : جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة لنفدت ، وذلك لشدة رفع مرفقيه ، وعضديه ، وهذا ما لم يؤذ جاره ( ويضع يديه ) يعني راحتيه على الأرض مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا [ ص: 457 ] بهما القبلة ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد ضم أصابعه رواه أبو حاتم ، والبيهقي ( حذو منكبيه ) لما تقدم ، ونقل عبد الله : حذاء أذنيه ، ونقل أبو طالب : قريبة من أذنيه ( ويفرق بين ركبتيه ) ورجليه ، لأنه عليه السلام كان إذا سجد فرج بين فخذيه ، وذكر ابن تميم ، وغيره أنه يجمع بين عقبيه ، ويكره افتراش الذراع في السجود للنهي المتفق عليه من حديث أنس .

                                                                                                                          مسألة : له أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال ، ولم يقيده جماعة ، لخبر أبي هريرة أن الصحابة شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم ، قال : استعينوا بالركب قال ابن عجلان : هو أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود ، وقيل : في نفل ، وعنه : يكره ، قال في " الفروع " : وظاهر المسألة لو وضع جبهته بالأرض ، ولم يعتمد عليها يجزئه ، وقد احتج بعض أصحابنا بأمره عليه السلام بتمكين الجبهة من الأرض ، وبفعله ، ووجوب الرجوع إليه ، وهذا يقتضي الوجوب ، فهذان وجهان ، وقد ذكروا لو سجد على حشيش أو قطن أو ثلج ، وبرد ، ولم يجد حجمه ، لم يصح ، لعدم المكان المستقر عليه ( ويقول : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ) كالتسبيح في الركوع على ما مر ، وفي " المغني " أنه يستحب الدعاء بما ورد لقوله عليه السلام : وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم رواه مسلم ، ومعناه : حقيق ، وجدير ، وقال القاضي : لا تستحب الزيادة عليه في الفرض ، وفي النفل روايتان ، ورده المؤلف بما صح من الأخبار ، وسنته عليه السلام أحق بالاتباع .




                                                                                                                          الخدمات العلمية