الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 121 ] فصل

                                                                                                                          وصفة الوضوء أن ينوي ، ثم يسمي ، ويغسل يديه ثلاثا ، ثم يتمضمض ، ويستنشق ثلاثا من غرفة ، وإن شاء من ثلاث ، وإن شاء من ست .

                                                                                                                          وهما واجبان في الطهارتين ، وعنه : أن الاستنشاق وحده واجب فيهما ، وعنه : أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى .

                                                                                                                          ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين ، والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ، ومن الأذن إلى الأذن عرضا ، فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة ، وجب غسلها معه ، وإن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره ، ويستحب تخليله .

                                                                                                                          ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ، ويدخل المرفقين في الغسل ، ثم يمسح رأسه ، فيبدأ بيديه من مقدم رأسه ، ثم يمرهما إلى قفاه ، ثم يردهما إلى مقدمه ، ويجب مسح جميعه مع الأذنين وعنه : يجزئ مسح أكثره ولا يستحب تكراره ، وعنه : يستحب ، ثم يغسل رجليه ثلاثا إلى الكعبين ويدخلهما في الغسل ، ويخلل أصابعه ، فإن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض ، وإن لم يبق شيء سقط ، ثم يرفع نظره إلى السماء ، ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وتباح معونته وتنشيف أعضائه ، ولا يستحب .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وصفة الوضوء ) المراد بها هنا الكيفية .

                                                                                                                          ( أن ينوي ، ثم يسمي ) وقد تقدما ( ويغسل يديه ) أي : كفيه ( ثلاثا ) لأن من وصف وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه كان يبدأ فيغسل كفيه ثلاث مرات ، لأن اليدين آلة لنقل الماء ، فاستحب غسلهما تحقيقا لطهارتهما ، وتنظيفا لهما ، وحينئذ فيتكرر غسلهما عند الاستيقاظ من النوم ، وفي أوله ، ومع كل يد ( ثم يتمضمض ، ويستنشق ثلاثا من غرفة ) لما روى ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأخذ غرفة من ماء فمضمض بها ، واستنشق رواه البخاري ، والمضمضة : إدارة الماء في الفم ، والاستنشاق : اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف ، والسنة أن يكون بيمينه ، ويستنثر بيساره ، وعنه : يجب في الصغرى ، وظاهره أنه يسن تقديم المضمضة عليه ، ويتوجه أنه يجب وفاقا للشافعي ، ولأن الفم أشرف لكونه محل القراءة ، والذكر ، وغيرهما ، وهما في ترتيب ، وموالاة كغيرهما ( وإن شاء من ثلاث ) للحديث المتفق عليه : أنه أدخل يده في الإناء فمضمض ، واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات ( وإن شاء من ست ) لأن في حديث جد طلحة بن مصرف قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين المضمضة ، والاستنشاق رواه أبو داود ، ووضوءه كان ثلاثا ثلاثا ، فلزم كونهما من ست ، والأفضل كما نص عليه أن يكون لهما من غرفة واحدة ، وفي تسميتهما فرضا وسقوطهما سهوا روايتان ، والمذهب أنهما يسميان فرضا ، ولا [ ص: 122 ] يسقطان سهوا ( وهما واجبان في الطهارتين ) هذا هو المشهور ، لأن الله تعالى أمر بغسل الوجه وأطلق ، وفسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله وتعليمه : تمضمض ، واستنشق في كل وضوء توضأه ، ولم ينقل عنه الإخلال به مع اقتصاره على المجزئ ، وهو الوضوء مرة مرة ، وقوله هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ، وفعله إذا خرج بيانا كان حكمه حكم ذلك المبين ، ولو كان مستحبا لتركه ، ولو مرة ، لتبيين الجواز كما في الثانية والثالثة ، وقد روى الدارقطني ، عن أبي هريرة قال : أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمضمضة ، والاستنشاق ، وإسناده جيد ، وفي حديث لقيط بن صبرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا توضأت فتمضمض رواه أبو داود بإسناد جيد ، ولأنهما في حكم الظاهر ، بدليل أن وضع الطعام ، والخمر فيهما لا يوجب فطرا ، ولا ينشر حرمة ، ولا توجب حدا ، وحصول النجاسة فيهما يوجب غسلهما ، وينقض الوضوء بوصولهما إليهما ، ولا يشق إيصال الماء إليهما ، بخلاف باطن اللحية الكثة ( وعنه : أن الاستنشاق وحده واجب فيهما لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ، ثم لينثر ، وفي لفظ : فليستنشق .

                                                                                                                          وإذا ثبت ذلك في الوضوء ففي الغسل أولى ، ولأن طرف الأنف لا يزال مفتوحا بخلاف الفم ، وقاله أبو عبيد ، وأبو ثور ( وعنه : أنهما واجبان في الكبرى ) لأنه يجب إيصال الماء فيها إلى باطن الشعور ، ونحوه ( دون الصغرى ) لأن المأمور فيها غسل الوجه ، وهو ما تقع به المواجهة ، وليسا كذلك ، أشبها باطن [ ص: 123 ] اللحية الكثة ، وعنه : يجبان في الأصغر فقط ، نقلها الميموني ، وعنه : يجب الاستنشاق وحده في الأصغر ، ذكرها صاحب الهداية ، وعنه : عكسها ذكرها ابن الجوزي ، وعنه : هما سنة وفاقا لمالك والشافعي ، كانتثاره .

                                                                                                                          ( ثم يغسل وجهه ) للنص ، فيأخذ الماء بيديه جميعا أو يغترف بيمينه ، ويضم إليها الأخرى ، ويغسل بها ثلاثا ، لأن السنة قد استفاضت به ، خصوصا حديث عثمان المتفق على صحته ( من منابت شعر الرأس ) غالبا ، فلا عبرة بالأقرع الذي ينبت شعره في بعض جبهته ، ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه ( إلى ما انحدر من اللحيين ، والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ، ومن الأذن إلى الأذن عرضا ) لأن ذلك تحصل به المواجهة ، وعلم من كلامه أن الأذنين ليسا من الوجه ، وأن البياض الذي بين العذار ، والأذن منه ، ونص الخرقي عليه ، لأنه يغفل الناس عنه ، وقال مالك : ليس من الوجه ، ولا يجب غسله ، قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا ، ولأنه يجب في حق غير الملتحي ، فكذا غيره ، فيدخل في حد الوجه : العذار : وهو الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن ، مرتفعا إلى الصدغ ، ومنحطا إلى العارض ، والعارض : هو الشعر النابت على الخد ، واللحيان : العظمان اللذان في أسفل الوجه قد اكتنفاه ، وعليهما ينبت أكثر اللحية ، والذقن : وهو مجمع اللحيين ، والحاجبان ، وأهداب العينين ، والشارب ، والعنفقة ، ولا يدخل صدغ ، وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار محاذي رأس الأذن ، وينزل عن رأسها قليلا في ظاهر كلام أحمد ، وهو الأصح ، واختلف في التحذيف ، [ ص: 124 ] وهو الشعر بين انتهاء العذار والنزعة ، فقال ابن حامد : هو منه ، وذكر بعضهم : أنه الأصح ، وضابطه أن يضع طرف خيط على رأس الأذن ، والطرف الثاني على أعلى الجبهة ، ويفرض هذا الخيط مستقيما ، فما نزل عنه إلى جانب الوجه ، فهو موضع التحذيف ، ولا يدخل فيه النزعتان ، وهما ما انحسر عنه الشعر في الرأس متصاعدا من جانبيه ، واختار ابن عقيل ، والشيرازي خلافه ، ودل كلامه أنه يجب غسل اللحية مع مسترسلها ، أو خرج عن حد الوجه عرضا ، وهو ظاهر المذهب ، وعنه : لا يجب غسل ما خرج عن محاذاة البشرة طولا ، وعرضا ، وهو ظاهر الخرقي في المسترسل ، كما لا يجب غسل ما استرسل من الرأس ، والأول أصح ، لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة ، وخرج ما نزل من الرأس عنه ، لعدم مشاركة الرأس في الترؤس .

                                                                                                                          مسألة : يستحب أن يزيد في ماء الوجه لأساريره ، ودواخله ، وخوارجه ، وشعوره ، قاله أحمد ، وكره أن يأخذ الماء ، ثم يصبه ، ثم يغسل وجهه ، وقال هذا مسح ، وليس بغسل ، وتقدم أنه لا يجب غسل داخل العينين ( فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة ، وجب غسلها معه ) لأنها لا يستر ما تحتها ، أشبه الذي لا شعر عليه ، ويجب غسل الشعر تبعا للمحل ( وإن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره ) لحصول المواجهة فوجب تعلق الحكم به ، بخلاف الغسل ، وقيل : لا ، كتيمم ، وقيل : يجب غسله ، وشعر غير اللحية كهي ، وقيل : يجب غسله وفاقا للشافعي ( ويستحب تخليله ) كما تقدم .

                                                                                                                          [ ص: 125 ] فرع : لو كان عليه شعر خفيف ، وكثيف ، فظاهر كلامهم أن لكل واحد حكمه .

                                                                                                                          ( ثم يغسل يديه ) للنص ، ولا خلاف بين الأمة فيه ( إلى المرفقين ) ويجب غسل أظفاره ، ولا يضر وسخ يسير في الأصح كبراجمه ، وقيل : إن منع وصول الماء إلى ما تحته كشمع ففي صحة طهارته وجهان ، وجزم ابن عقيل بعدمها ، وقيل : يسامح فلاح ، ونحوه ، وظاهره أنه إذا نبت له إصبع زائدة أو يد في محل الفرض فإنه يجب غسلها معه ، فلو كان النابت في العضد أو المنكب ، ولم يتميز الأصلي غسلا وجها واحدا ، وإن تميز لم يجب غسل ما لم يحاذ الفرض ، وكذا إن حاذاه منها شيء على المذهب ، واختار القاضي ، والشيرازي ، وصححه ابن حمدان : أنه يجب غسل المحاذي ، وإذا تدلت جلدة إلى محل الفرض ، أو منه غسلت ، وقيل : إن تدلت من محل الفرض غسلت ، وإلا فلا ، ذكره ابن تميم ، وإن التحم رأسها في محل الفرض وجب غسل ما فيه منها ( ثلاثا ) لحديث عثمان ، وغيره ( المرفقين في الغسل ) لما روى الدارقطني ، عن جابر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أمر الماء على مرفقه ، وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية الكريمة ، وعنه : لا يجب إدخالهما فيه ، وقاله زفر : لأن " إلى " للغاية ، قلنا : وقد تكون بمعنى " مع " كقوله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم [ هود 52 ] [ ص: 126 ] ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم [ النساء 2 ] فبين عليه السلام أنها كذلك ، أو يقال : اليد تطلق حقيقة إلى المنكب ، وإلى آخر عدا المرفق ، فإن كانت اليد لا مرفق لها ، غسل إلى قدر المرفق في غالب الناس .

                                                                                                                          ( ثم يمسح رأسه ) وهو فرض بالإجماع ، وسنده النص ، وهو ما ينبت عليه الشعر في حق الصبي ، قال في " الشرح " : وينبغي أن يعتبر غالب الناس ، فلا يعتبر الأقرع ، ولا الأجلح ، كما سبق في حد الوجه ( فيبدأ بيديه من مقدم رأسه ، ثم يمرها إلى قفاه ، ثم يردهما إلى مقدمه ) كذا في " المحرر " وفي " المغني " ، و " الشرح " : يضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى ، ويضعهما على مقدم رأسه ، ويضع الإبهامين على الصدغين ، ثم يديه إلى قفاه ، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه ، لما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فمسح رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه حتى إذا ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه متفق عليه . ويستثنى من ذلك ما إذا خاف أن ينتفش شعره برد يديه فإنه لا يردهما ، نص عليه ، بل يمسح إلى قفاه فقط ، سواء كان رجلا أو امرأة ، وعنه : يبدأ بمؤخره ، ويختم به ، وعنه : تبدأ هي من وسطه إلى مقدمه ، ثم من الوسط إلى مؤخره ، قال في " المغني " ، و " الشرح " : وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه ، ويجزئ بعض يده ، وبحائل في الأصح ، وفاقا لأبي حنيفة ، والشافعي .

                                                                                                                          [ ص: 127 ] ( ويجب مسح جميعه ) هذا ظاهر الخرقي ، ومختار عامة الأصحاب ، وذكر القاضي ، والسامري : أنه أصح الروايات ، لأنه تعالى أمر بمسح الرأس ، وبمسح الوجه في التيمم ، وهو يجب الاستيعاب فيه ، فكذا هنا إذ لا فرق ، ولأنه عليه السلام مسح جميعه ، وفعله وقع بيانا للآية ، والباء للإلصاق أي : إلصاق الفعل بالمفعول فكأنه قيل : ألصقوا المسح برءوسكم أي : المسح بالماء ، وهذا بخلاف لو قيل : امسحوا رءوسكم ، فإنه لا يدل على أنه ، ثم شيء ملصق ، كما يقال : مسحت رأس اليتيم ، وأما دعوى أن الباء إذا وليت فعلا متعديا أفادت التبعيض في مجرورها لغة ، فغير مسلم دفعا للاشتراك ، ولإنكار الأئمة ، قال أبو بكر : سألت ابن دريد ، وابن عرفة عن الباء تبعض ؛ فقالا : لا نعرفه في اللغة ، وقال ابن برهان : من زعم أن الباء تبعض فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه ، وقوله يشرب بها عباد الله [ الإنسان : 6 ] ، وقول الشاعر :


                                                                                                                          شربن بماء البحر

                                                                                                                          فمن باب التضمين ، كأنه قيل : تروى ، وما روي أنه عليه السلام مسح مقدم رأسه فمحمول على أن ذلك مع العمامة كما جاء مفسرا في حديث المغيرة بن شعبة ، ونحن نقول به ، وظاهره أنه يتعين استيعاب ظاهره كله ، لكن استثنى في " المترجم " ، و " المبهج " اليسير للمشقة ( مع الأذنين ) أي : يجب مسحهما مع الرأس في رواية اختارها جماعة ، لقوله عليه السلام : الأذنان من الرأس [ ص: 128 ] وظاهر المذهب أنه لا يجب مسحهما ، وإن وجب الاستيعاب ، لأنهما منه حكما لا حقيقة ، لأن الرأس عند إطلاق لفظه إنما يتناول ما عليه الشعر ، بدليل أنه لا يجزئ مسحهما عنه ، وإن قلنا بإجزاء البعض قاله الجمهور ( وعنه : يجزئ مسح أكثره ) لأنه يطلق على الجميع كما يقال جاء العسكر ، والمراد أكثره ، ولأن إيجاب الكل قد يفضي إلى الحرج غالبا ، وأنه منفي شرعا ، فإن ترك الثلاث فما دون ، جاز ، وقاله محمد بن مسلمة ، وعنه : يجزئ بعضه ، وفي " الانتصار " : في التجديد ، وفي " التعليق " : للعذر ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وأنه يمسح معه العمامة ، ويكون كالجبيرة فلا توقيت ، وعنه : يجزئ بعضه للمرأة ، وهي الظاهرة عند الخلال والمؤلف; لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها ، وعنه : قدر الناصية ، وفي تعيينها وجهان ، وهي مقدمة عند القاضي ، وقدمه في " الفروع " وقيل : قصاص الشعر .

                                                                                                                          تذنيب : إذا مسح بشرة رأسه دون ظاهر شعره لم يجزئه ، وكذا إذا مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ، ولو كان معقوصا على الرأس ، وإن غسل رأسه بدلا عن مسحه ، ثم أمر يده عليه جاز في الأشهر ، وكذا الخف والجبيرة ، قال ابن حامد : إنما يجزئ الغسل عنه إذا نواه به ، فلو أصاب رأسه ماء من غير قصد ، ثم مسحه بيده بعد نية الوضوء أجزأه في الأقيس ، والثاني : لا ، كما لو وضع يده مبلولة على رأسه ، ولم يمرها عليه ، أو وضع عليه خرقة مبلولة ، أو بلها عليه ، ولو كان على رأسه خضاب فمسح عليه لم يجزئه ، نص عليه .

                                                                                                                          [ ص: 129 ] ( ولا يستحب تكراره ) في الصحيح من المذهب ، قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ، لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه مسح رأسه واحدة ، ولأنه مسح في طهارة عن حدث ، فلم يستحب تكراره ، كالمسح على الخفين ، وفي التيمم ( وعنه : يستحب ) قال في " المغني " : ويحتمله كلام الخرقي لقوله : والثلاث أفضل ، وفيه نظر - بماء جديد ، نصره أبو الخطاب ، وابن الجوزي ، لما روى عثمان : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه ثلاثا رواه أبو داود ، قال ابن الصلاح : حديث حسن ، ولأنه أصل في الطهارة فسن تكراره كالوجه ، والأول أولى ، قال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس واحدة ، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا ، وقالوا فيها : ومسح برأسه ، ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره ، قال في " الشرح " : أحاديثهم لا يصح منها شيء صريح ، لا يقال : إن مسحه عليه السلام مرة واحدة لتبيين الجواز ، وثلاثا لتبيين الفضيلة كما فعل في الغسل ، لأن قول الراوي هذا طهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنه طهور على الدوام .

                                                                                                                          فرع : إذا زال شعره بعد غسله ، أو مسحه ، أو ظفر ، أو عضو ، لم يؤثر في طهارته في قول أكثر العلماء ، وقيل : بلى ، وروي عن بعض السلف .

                                                                                                                          ( ثم يغسل رجليه ) للآية الكريمة ( ثلاثا ) لحديث عثمان وغيره ( إلى الكعبين ) أي : كل رجل تغسل إلى الكعبين ، ولو أراد كعاب جميع الأرجل لذكره بلفظ الجمع كقوله تعالى وأيديكم إلى المرافق ، لأن مقابلة الجمع بالجمع يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد ، كقولك ركب القوم دوابهم .

                                                                                                                          [ ص: 130 ] والكعبان : هما العظمان الناتئان اللذان في أسفل الساق من جانبي القدم ، وقاله أبو عبيد ، ويدل عليه حديث النعمان بن بشير ، قال : كان أحدنا يلصق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة . رواه أحمد ، وأبو داود ، ولو كان مشط القدم لم يستقم ذلك ( ويدخلهما في الغسل ) كما سبق ، ولقوله عليه السلام : ويل للأعقاب من النار متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                          ( ويخلل أصابعه ) وقد تقدم ( فإن كان أقطع ، غسل ما بقي من محل الفرض ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم متفق عليه ( وإن لم يبق شيء ) من محل الفرض ( سقط ) لفوات المحل . فلو قطع من المرفق غسل رأس العضد ، نص عليه ، وقدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " ، وفيه وجه : يستحب مسح طرفه ، صححه في " الرعاية " ، وهو ظاهر كلام المؤلف . فإن كان القطع من فوق المرفق لم يجب شيء ، ولم يستحب مسح موضع القطع ، وقيل : يستحب ، وهو ظاهر ما في " الشرح " لئلا يخلو العضو عن طهارة ، وهو موضع التحجيل ، فأما المتيمم إذا قطعت يده من مفصل الكوع سقط مسح ما بقي هناك ، وإن قلنا : يجب في الغسل ، لأن الواجب هنا مسح الكفين ، وقد رميا ، بخلاف الوضوء ، فإن المرفق من جملة محل الفرض ، وهذا أحد الوجهين ، والمنصوص : وجوب المسح أيضا ، لأن المأمور به مسح اليد إلى الكوع .

                                                                                                                          [ ص: 131 ] فرع : إذا تبرع بتطهيره لزمه ذلك ، ويتوجه : لا ، ويتيمم . فإن لم يجد إلا بأجرة مثله لزمه ، وقيل : لا ، لتكرر الضرر دواما فإن عجز صلى ، وفي الإعادة وجهان ، كعادم الطهورين . قال في " الفروع " : ويتوجه في استنجاء مثله ، وفي المذهب : يلزمه بأجرة مثله ، وزيادة لا تجحف في وجه .

                                                                                                                          ( ثم يرفع نظره إلى السماء ، ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) لما روى مسلم ، عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ورواه الترمذي ، وزاد اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ورواه أحمد ، وأبو داود ، وفيه ثم رفع نظره إلى السماء قال في " الفروع " : ويتوجه ذلك بعد الغسل ، ولم يذكروه .

                                                                                                                          ( وتباح معونته ) كتقريب ماء الوضوء ، أو الغسل إليه ، أو صبه عليه ، لما روى المغيرة بن شعبة قال : بينا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، إذ نزل ، فقضى حاجته ، فصببت عليه من إداوة كانت معي ، فتوضأ ، ومسح على خفيه متفق عليه ، ولفظه لمسلم ، ويقف عن يساره ، وقيل : عكسه .

                                                                                                                          فرع : إذا وضأه غيره اعتبرت النية في المتوضئ ، لأنه المخاطب ، وقيل : مع نية من وضأه إن كان مسلما ، قال ابن تميم : لو وضأه غيره ، ولا عذر ، كره ، وأجزأه ، وعنه : لا ، وإن أكرهه عليه لم يصح في الأصح .

                                                                                                                          [ ص: 132 ] ( وتنشيف أعضائه ) من غير كراهة فيهما ، لما روى قيس بن سعد قال : زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا ، فأمر له سعد بغسل ، فوضع له ، فاغتسل ، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران ، أو ورس ، فاشتمل بها رواه أحمد ، وأبو داود ، وعنه : يكرهان كنفض يده ، لخبر أبي هريرة إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان رواه المعمري ، وغيره ، والمذهب عدم الكراهة ، اختاره الشيخان لكن قيل لأحمد عن مسح بلل الخف فكرهه ، وقال : لا أدري لم أسمع فيه بشيء ( ولا يستحب ) جزم به في " الوجيز " لأنه إزالة أثر العبادة ، فلم يستحب كإزالة دم الشهيد ، ولو كان أفضل لداوم عليه .



                                                                                                                          مسائل :

                                                                                                                          الأولى : المفاضلة بين أعضاء الوضوء غير مكروهة لحديث عبد الله بن زيد ، وعنه : تكره ، إذ لا مفاضلة بينها كما تدل عليه الأحاديث ، ويعمل في عددها بالأقل ، وفي " النهاية " : بالأكثر .

                                                                                                                          الثانية : يسن التجديد لكل صلاة للأخبار ، منها ما رواه أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة وإسناده صحيح ، وعنه : لا ، كما لا يستحب تجديد الغسل ، وكما لو لم يصل بينهما [ ص: 133 ] وقيل : يكره ، وقيل : المداومة ، ولا بأس أن يصلي به ما لم يحدث ، وهو قول الأكثر ، وحكى الطحاوي ، عن ابن عمر ، وجماعة وجوب الوضوء لكل صلاة ، وقال النخعي : لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس ، وخصها قوم بالمسافر .

                                                                                                                          الثالثة : يباح هو وغسل في المسجد إن لم يؤذ به أحدا ، حكاه ابن المنذر إجماعا ، وعنه : يكره ، وإن نجس المنفصل حرم كاستنجاء ، وريح ، وهل تكره إراقته فيما يداس ؛ فيه روايتان ، ويكره في مسجد ، قال الشيخ تقي الدين : ولا يغسل فيه ميت : قال : ويجوز عمل مكان للوضوء للمصلحة بلا محذور .

                                                                                                                          الرابعة : إذا بقي لمعة من محل الفرض لم يصبها الماء ، فهل يجزئ مسحها ؛ على روايتين مع الترتيب ، والموالاة في ظاهر المذهب .

                                                                                                                          الخامسة : يكره الكلام على الوضوء ، والمراد بغير ذكر الله تعالى ، صرح به جمع ، وكذا السلام عليه ، وظاهر كلام الأكثر لا يكره السلام ، ولا الرد ، وإن كان على طهر فهو أكمل لفعله عليه السلام ، ويستقبل القبلة ، وكذا في كل عبادة إلا لدليل .

                                                                                                                          السادسة : الحدث يحل جميع البدن كالجنابة ، قال في " الفروع " : ويتوجه أعضاء الوضوء ، وهو ظاهر .

                                                                                                                          السابعة : يجب الوضوء بالحدث ، وقيل : بإرادة الصلاة بعد ، وقواه ابن الجوزي ، وذكر في " الفروع " : ويتوجه قياس المذهب بدخول الوقت لوجوب [ ص: 134 ] الصلاة إذن ، ووجوب الشرط بوجوب المشروط ، ويتوجه مثله في غسل ، قال الشيخ تقي الدين : وهو لفظي .

                                                                                                                          فائدة : الحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء دون غيرها أنه ليس في البدن ما يتحرك للمخالفة أسرع منها ، فأمر بغسلها ظاهرا تنبيها على طهارتها الباطنة ، ورتب غسلها على ترتيب سرعة الحركة في المخالفة ، فأمر بغسل الوجه ، وفيه الفم والأنف ، فابتدأ بالمضمضة ، لأن اللسان أكثر الأعضاء وأشدها حركة ، لأن غيره قد يسلم ، وهو كثير العطب قليل السلامة غالبا ، ثم بالأنف لينوب عما يشم به ، ثم بالوجه لينوب عما نظر ، ثم باليدين لتنوب عن البطش ، ثم خص الرأس بالمسح ، لأنه مجاور لمن تقع منه المخالفة ، ثم بالأذن لأجل السماع ، ثم بالرجل لأجل المشي ، ثم أرشده بعد ذلك إلى تجديد الإيمان بالشهادتين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية