الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا تجب على مسافر . ولا عبد ولا امرأة ولا خنثى ، ومن حضرها منهم أجزأته ، ولم تنعقد به ، ولم يجز أن يؤم فيها . ومن سقطت عنه لعذر إذا حضرها وجبت عليه ، وانعقدت به ، ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام ، لم تصح صلاته . والأفضل لمن لا تجب عليه ألا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام ، وعنه : في العبد أنها تجب عليه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا تجب على المسافر ) له القصر ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه كانوا [ ص: 143 ] يسافرون في الحج وغيره ، فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير ، وكما لا يلزمه بنفسه لا يلزمه بغيره ، نص عليه ، لكن إن كان عاصيا بسفره لزمته .

                                                                                                                          وذكر ابن تميم : إن حضر مكانها ، فإن كان سفره دون مسافة القصر وجبت عليه بغيره لا بنفسه ، فإن أقام ما يمنع القصر ، ولم ينو استيطانا ، لزمته في الأشهر لعموم الآية والأخبار ، ولم تنعقد به لعدم الاستيطان ، وفي إمامته فيها وجهان ، وعنه : لا تلزمه ، جزم به في " التلخيص " ; وهو ظاهر كلامه هنا ، وفي " الكافي " ; لأن الاستيطان من شرائط الوجوب ، قال إبراهيم : كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر ، وبسجستان لا يجمعون ولا يشرقون . رواه سعيد .

                                                                                                                          فرع : لا جمعة بمنى كعرفة ، نص عليه ، نقل يعقوب : ليس بينهما جمعة ، إنما يصلي الظهر ولا يجهر ، وقيل : ولا يوم التروية ( ولا عبد ، ولا امرأة ) لما ذكرناه ( ولا خنثى ) لأنه لا يعلم كونه رجلا ، لكن يشكل عليه بأنه إذا قيل : إنها فرض الوقت ، والظهر بدل عنها ( ومن حضرها منهم ) أي : من هؤلاء ( أجزأته ) لأن إسقاط الجمعة عنهم تخفيفا ، فإذا حضرها أجزأت ، كالمريض ( ولم تنعقد به ) لأنه ليس من أهل الوجوب ، وإنما يصح منهم الجمعة تبعا لمن انعقدت به ، فلو انعقدت بهم لانعقدت بهم متفرقين كالأحرار المقيمين ( ولم يجز أن يؤم فيها ) لئلا يصير التابع متبوعا ; وهو في المرأة اتفاق ، وكذا مسافر له القصر ، وقيل : تلزمه تبعا للمقيمين ، قاله الشيخ تقي الدين ، وحكاه بعضهم رواية : تلزمه بحضورها في وقتها ما لم ينضر بالانتظار ، وتنعقد به ، ويؤم فيها كمن سقطت عنه تخفيفا لعذر مرض وخوف ونحوهما لزوال ضرره ، فهو كمسافر [ ص: 144 ] يقدم ، وإن قلنا : عبدا وصبيا صحت إمامتهما ، وانعقدت بهما ، وصححه في " الفروع " في العبد ، وقال القاضي في " المجرد " : لا تصح إمامة الصبي فيها ، ولو وجبت عليه ( وعنه : في العبد أنها تجب عليه ) اختارها أبو بكر لعموم الآية ، وقياسا على الظهر ، فيستحب أن يستأذن سيده ، ويحرم منعه ومخالفته ، قال المؤلف : لا يذهب إليها من غير إذن ، وعنه : تلزم بإذن سيد .

                                                                                                                          تنبيه : من لم تجب عليه لمرض أو سفر ، أو اختلف في وجوبها كعبد ، فهي أفضل في حقه ، ذكره ابن عقيل ، وللمرأة حضورها ، وقيل : يكره للشابة فقط ، وقيل : لا يجوز .

                                                                                                                          ( ومن سقطت عنه لعذر ) كمرض ، وخوف ( إذا حضرها ، وجبت عليه ، وانعقدت به ) وأم فيها ; لأن سقوطها لمشقة السعي ، فإذا تحمل ، وحضرها انتفت المشقة ، ووجبت عليه ، وانعقدت به كالصحيح ( ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة ) أي : ممن تلزمه ( قبل صلاة الإمام ، لم تصح صلاته ) ذكره الأصحاب ; لأنه صلى ما لم يخاطب به ، وترك ما خوطب به ، فلم تصح ، كما لو صلى العصر مكان الظهر ، وكشكه في دخول الوقت ، لأنها فرض الوقت ، فعلى هذا يعيدها ظهرا إذا تعذرت الجمعة ، ثم إن ظن أنه يدرك الجمعة سعى إليها لأنها المفروضة في حقه ، وإلا انتظر حتى يتيقن أن الإمام صلى ، ثم يصلي الظهر ، وقيل : إن أمكنه إدراكها ، وإلا صحت ظهره . وحكى أبو إسحاق بن شاقلا وجها : أن فرض الوقت الظهر ، فتصح مطلقا ، ولا تبطل بالسعي إلى [ ص: 145 ] الجمعة ، وكذا إذا صلى الظهر شاكا هل صلى الإمام الجمعة ، أو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم يصح في الأشهر ، ويعيدونها إذا فاتت الجمعة ، لكن يستثنى على الأول ما لو أخر الإمام الجمعة تأخيرا منكرا ، فللغير أن يصلي ظهرا ، ويجزئه عن فرضه ، جزم به المجد ، وجعله ظاهر كلامه ، لخبر تأخير الأمراء الصلاة عن وقتها .

                                                                                                                          ( والأفضل لمن لا تجب عليه ) كالمسافر ، والمريض ( أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام ) ذكره جماعة منهم صاحب " الوجيز " ; لأنه ربما زال عذره فلزمته الجمعة ، لكن يستثنى من ذلك من دام عذره كامرأة وخنثى ، فالتقدم في حقهما أفضل ، ولعله مراد من أطلق ، وظاهره أنهم إذا صلوا قبل الإمام أنها صحيحة على الأصح ، وهو قول عامتهم ، لأنهم أدوا فرض الوقت ، ولو زال عذره لم تلزمه الجمعة ، كالمعضوب إذا حج عنه ، ثم برئ ، وقيل : بلى ; وهو رواية في " الترغيب " كصبي بلغ في الأشهر ، وقيل : إن زال عذره ، والإمام في الجمعة لزمته ، وقيل : إن عوفي المريض بين الإحرام والسلام أعادها ، وفي زوال عذر غيره وجهان ، والثانية : لا تصح قبل الإمام ، اختاره أبو بكر ، كمن تجب عليه ، وعلى الأولى : لو صلاها ثم حضر الجمعة كانت له نفلا ; لأن الأولى أسقطت الفرض ، وقيل : بل فرضا .

                                                                                                                          مسألة : لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها الصلاة جماعة في المصر ، لحديث فضل صلاة الجماعة ، وفعله ابن مسعود ، واحتج به أحمد . زاد السامري وغيره : على الأول بأذان وإقامة ، وفي كراهتها في مكانها وجهان ، [ ص: 146 ] ومن خاف فتنة أو ضررا صلى حيث يأمن ذلك ، ونقل الأثرم : لا يصلي فوق ثلاثة جماعة ، ذكره ابن عقيل تبعا لشيخه ، ومن لزمته الجمعة فتركها بلا عذر تصدق بدينار أو بنصفه للخبر ، ولا يجب ، قاله في " الفروع " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية