الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ومن سننهما أن يخطب على منبر ، أو موضع عال ، ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم بوجهه . . ويجلس إلى فراغ الأذان ، ويجلس بين الخطبتين ، ويخطب قائما . . . ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ، ويقصد تلقاء وجهه ، ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين . ولا يشترط إذن الإمام وعنه يشترط .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ومن سننهما أن يخطب على منبر ) لما روى سهل بن سعد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل إلى امرأة من الأنصار أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليها إذا كلمت الناس متفق عليه ، وفي الصحيح : أنه عمل من أثل الغابة ، فكان يرتقي عليه ، واتخاذه كان في سنة سبع من الهجرة ، وقيل : سنة ثمان ، وكان ثلاث درج ، ويسمى منبرا لارتفاعه ، من النبر ; وهو الارتفاع ، واتخاذه سنة مجمع عليها ، قاله في " شرح مسلم " ، ويكون صعوده فيه على تؤدة إلى الدرجة التي تلي السطح ، قاله في " التلخيص " ( أو موضع عال ) إن لم يكن ; لأنه في معناه لاشتراكهما في المبالغة في الإعلام ، ويكونان عن يمين مستقبلي القبلة ، وقال أبو المعالي : إن وقف بالأرض ، وقف على يسار مستقبلي القبلة بخلاف المنبر ( ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم بوجهه ) لما روى ابن ماجه عن جابر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صعد المنبر سلم ورواه الأثرم عن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، ورواه [ أبو بكر ] النجاد عن عثمان ، وكسلامه على من عنده في خروجه ، قال القاضي وجماعة : لأنه استقبال بعد استدبار أشبه من [ ص: 162 ] فارق قوما ثم عاد إليهم ، وعكسه المؤذن ، قاله المجد ، وظاهره استحباب استقبال الخطيب الناس ; وهو كالإجماع ، قاله ابن المنذر ، ولم يذكر المؤلف رد السلام عليه ; وهو فرض كفاية ، وكذا كل سلام مشروع على الجماعة المسلم عليهم لا فرض عين ، وقيل : سنة كابتدائه ، وفيه وجه غريب واجب ، ذكره الشيخ تقي الدين ( ويجلس إلى فراغ الأذان ) لما روى ابن عمر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ، ثم يقوم فيخطب . مختصر . رواه أبو داود ، وذكر ابن عقيل إجماع الصحابة ، ولأنه يستريح بذلك من تعب الصعود ، ويتمكن من الكلام التمكن التام ، وهذا النداء هو الذي يتعلق به وجوب السعي ; لأنه الذي كان على عهده ـ عليه السلام ـ ، وعنه : بالأول لسقوط الفرض به ، ولأن عثمان سنه ، وعملت به الأمة ، ومن بعد منزله ، سعى في وقت يدركها كلها إذا علم حضور العدد بعد طلوع الفجر لا قبله .

                                                                                                                          ( ويجلس بين الخطبتين ) لما روى ابن عمر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب خطبتين ; وهو قائم ، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه ، وكجلسته الأولى ، ويستحب تخفيفها ، قال في " التلخيص " : بقدر سورة الإخلاص ، وعنه : يجب الجلوس بينهما ، اختاره النجاد لفعله ـ عليه السلام ـ ، والأول أصح ; لأن جماعة من الصحابة منهم علي سردوا الخطبة من غير جلوس ، ولأنه ليس فيها ذكر مشروع ، فلم يجب كالأول ( ويخطب قائما ) نص عليه ، واختاره الأكثر لفعله ـ عليه السلام ـ ، ولأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال ، فلم يجب له القيام كالأذان ، [ ص: 163 ] وعنه : يجب مع القدرة ، جزم به في " النصيحة " ، وبالجلوس بينهما ، وقال الطحاوي عن قول الشافعي : لم يقله غيره ، وليس كذلك ( ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ) لما روى الحكم بن حزن قال : وفدت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشهدنا معه الجمعة ، فقام متوكئا على سيف أو قوس أو عصا . مختصر . رواه أبو داود ، ولأنه أمكن له ، وإشارة إلى أن هذا الدين فتح به ، ويكون اعتماده على ذلك بإحدى يديه في ظاهر كلامه ، قال في " الفروع " : ويتوجه باليسرى ، والأخرى بحرف المنبر ، فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلها ( ويقصد تلقاء وجهه ) لفعله ـ عليه السلام ـ ، ولأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عن الآخر ، وظاهره أنه إذا التفت أو استدبر الناس أنه يجزئ مع الكراهة ، صرحوا به في الاستدبار لحصول المقصود ، وفيه وجه : لا يجزئ لتركه الجهة المشروعة ، وينحرف إليه المأمومون إذا خطب ، نص عليه ، لفعل الصحابة .

                                                                                                                          ( ويقصر الخطبة ) لما روى مسلم عن عمار مرفوعا إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة ، وأقصروا الخطبة وفي " التعليق " . والثانية أقصر ، جعله أصلا لإفراد الإقامة ، ويستحب رفع صوته حسب الإمكان ( ويدعو للمسلمين ) لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ، ففيها أولى ، [ ص: 164 ] ولا يجب في الثانية ، وقيل : ويرفع يديه ، جزم به في " الفصول " ، واحتج بالعموم ، وقيل : لا يستحب ، قال المجد : هو بدعة وفاقا للمالكية ، والشافعية ، وغيرهم ، وقد يفهم من كلامه أن الدعاء لا يسن للمسلمات ، وليس كذلك ; لأن جمع المذكر يشملهم ، ولم يذكر المؤلف الدعاء للسلطان فيها ، ولا لمعين ; وهو جائز ، بل قيل : يستحب للسلطان ، حتى قال أحمد أو غيره : لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل ، ولأن في صلاحه صلاح المسلمين ، ولأن أبا موسى كان يدعو في خطبته لعمر ، وروى البزار : أرفع الناس درجة يوم القيامة إمام عادل . قال أحمد : إني لأدعو بالتسديد والتوفيق . فإذا فرغ منها نزل عند لفظة الإقامة في وجه ، قاله في " التلخيص " ، وفي الآخر إذا فرغ منها ، وينزل مسرعا .

                                                                                                                          ( ولا يشترط إذن الإمام ) في الأصح ; لأن عليا صلى بالناس ، وعثمان محصور ، فلم ينكره أحد ، وصوبه عثمان ، رواه البخاري ، ولأنها فرض الوقت ، أشبهت الظهر ، قال أحمد : وقعت الفتنة بالشام تسع سنين ، فكانوا يجمعون ( وعنه يشترط ) لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة ; وهي من أعلام الدين الظاهر ، أشبهت الجهاد ، وعنه : إن لم يتعذر ، وعنه : يشترط لوجوبها لا لجوازها ، وإن لم يعلم بموته إلا بعد الصلاة ، واشترط إذنه ، فعنه لا إعادة للمشقة ، وعنه : بلى لبيان الشرط .

                                                                                                                          فرع : إذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة جاز اتباعهم ، نص عليه ، قال القاضي : ولو قلنا : من شرطها إمام عادل إذا كان خروجهم بتأويل سائغ ، وقال ابن أبي موسى : يصلي معهم الجمعة ، ويعيدها ظهرا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية