الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويسن التكبير في ليلتي العيدين ، وفي الأضحى يكبر عقيب كل فريضة في جماعة ، وعنه : أنه يكبر وإن كان وحده من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق . إلا المحرم فإنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر . فإن نسي التكبير ، قضاه ما لم يحدث ، أو يخرج من المسجد ، وفي التكبير عقيب صلاة العيد وجهان . وصفة التكبير شفعا : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .

                                                                                                                          [ ص: 191 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          [ ص: 191 ] ( ويسن التكبير في ليلتي العيدين ) خصوصا في الفطر ; وهو آكد من الأضحى ، نص عليه ، من غروب الشمس ; لقوله تعالى ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم [ البقرة : 185 ] قال أحمد : كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعا ، ويجهر به في الخروج إلى المصلى فيهما في قول الأكثر ; وهو ممتد إلى فراغ الإمام من خطبته ; لأن شعار العيد لم ينقض ، فسن كما في حال الخروج ، وعنه : إلى خروج الإمام إلى الصلاة لفعل ابن عمر ، رواه الشافعي ، والدارقطني ، وعنه : إلى وصوله المصلى ; لأن التكبير في الخروج هو الذي اتفقت عليه الآثار ، وما بعده ليس فيه نص ولا إجماع ( وفي الأضحى ) يسن فيه المطلق في عشر ذي الحجة ، ولو لم ير بهيمة الأنعام ، ويرفع صوته ، قاله أحمد ، والمراد لغير أنثى ، وأيام العشر : الأيام المعلومات ، وأيام التشريق المعدودات ( يكبر عقيب كل فريضة في جماعة ) هذا هو المذهب ; لأن ابن عمر كان لا يكبر إذا صلى وحده ، وقال ابن مسعود : إنما التكبير على من صلى في جماعة . رواه ابن المنذر ، ولأنه ذكر مختص بوقت العيد ، فاختص بالجماعة كالخطبة ، فيكبر الإمام إلى القبلة كغيره ، والأشهر يقبل على الناس ثم يكبر لفعله ـ عليه السلام ـ ، ولأنه أقرب إلى المحافظة ، وقيل : يخير ( وعنه : أنه يكبر ، وإن كان وحده ) قدمه في " التلخيص " ، وغيره للعموم ، ولأنه ذكر مشروع للمسبوق أشبه التسليمة الثانية ( من صلاة الفجر يوم عرفة إلى ) بعد صلاة ( العصر من آخر أيام التشريق ) لما روى جابر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا صلى الصبح يوم عرفة أقبل علينا فقال : الله أكبر ، ومد التكبير إلى آخر أيام التشريق رواه الدارقطني [ ص: 192 ] من رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي ، وهما ضعيفان ، قيل لأحمد : بأي حديث تذهب في ذلك ؛ قال : بالإجماع : عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، ولأن الله تعالى أمر بالذكر في الأيام المعدودات ; وهي أيام يرمى فيها ، أشبهت يوم النحر ، وعنه : يكبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق ، وروي عن زيد بن ثابت ، والزهري ، وعنه : من ظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر آخر أيام التشريق ، روي عن عثمان ، رواه سعيد . قال النووي : القول الأول هو الراجح ، وعليه العمل في الأمصار ، وظاهر ما سبق أنه لا يكبر في الفطر عقب الفرائض لعدم نقله ، وفيه وجه ، وجزم به في " التلخيص " ولا عقب نافلة ، ولو صليت جماعة ( إلا المحرم فإنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر ) إلى عصر آخر أيام التشريق ; لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية ، والجهر به مسنون إلا في حق النساء ، ويأتي به كالذكر عقب الصلاة ، وعنه : يكبر تبعا للرجال فقط ، وعنه : لا يكره كالأذان ، وحمله القاضي على الجهر ، والمسافر كالمقيم ، ولو لم يأتم بمقيم ، والمميز كالبالغ

                                                                                                                          فرع : إذا فاتته صلاة من أيام التشريق ، فقضاها فيها من عامه ، فكبر ، لأنها مفروضة فيه ، ووقت التكبير باق ، وإن قضاها في غيرها لم يكبر كالتلبية ، وفيه وجه : بلى كالدعاء ، وإن فاتته من غيرها ، فقضاها فيها ، كبر في رواية ، ذكره المؤلف ، وعنه : لا يكبر لبعد أيامها ; لأنه سنة فات وقتها .

                                                                                                                          فائدة : سميت أيام التشريق من تشريق اللحم ; وهو تقديده ، وقيل : [ ص: 193 ] من قولهم : أشرق ثبير ، وقيل : لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس ، وقيل : هو التكبير دبر الصلوات ، وأنكره أبو عبيد ( فإن نسي التكبير قضاه ) مكانه ويعود ، فيجلس من قام أو ذهب ; لأن فعله جالسا في مصلاه سنة ، فلا تترك مع إمكانها ، وقال جماعة : إن كبر ماشيا فلا بأس ، قال المؤلف : هو أقيس كسائر الأذكار ، وظاهره أنه يأتي به ، ولو طال الفصل ، والمذهب يكره ( ما لم يحدث ) لأنه مبطل للصلاة ، والذكر تابع لها بطريق الأولى ( أو يخرج من المسجد ) لأنه سنة فات محلها ، وقيل : أو يتكلم ; لأنه شرع عقيبها ، فنافاه ما ينافيها ، والوجه الثاني يأتي به كالتلبية والدعاء ، وأطلقهما في " الفروع " ( فإن نسيه الإمام كبر المأموم ليحرز الفضيلة ، بخلاف سجود السهو ; لأنه من الصلاة ، ففي الانفراد به ترك المتابعة ، وإذا سلم وعليه سجود سهو أتى به ثم كبر ; لأنه من تمام الصلاة .

                                                                                                                          تنبيه : فإن اجتمع عليه تلبية وتكبير ، فإن لم يرم جمرة العقبة حتى صلى الظهر يوم النحر كبر ثم لبى ، نص عليه ; لأن التكبير مشروع مثله في الصلاة ، فكان أشبه بها ، والمسبوق ببعض الصلاة يقضي ما فاته ثم يكبر ، نص عليه ، كالذكر والدعاء .

                                                                                                                          ( وفي التكبير عقيب صلاة العيد وجهان ) أحدهما : لا يكبر ، وقال أبو الخطاب : هو ظاهر كلام أحمد ، وقدمه في " الفروع " وقال : في الفطر إن [ ص: 194 ] قيل فيه مقيد ، نقله الجماعة ; لأن الأثر إنما جاء في المكتوبات ، والثاني : يكبر ، اختاره أبو بكر ، وأبو الوفاء ، وقال : هو الأشبه بالمذهب ، وفي " الشرح " أنه الأولى ; لأنها مفروضة مؤقتة تسن لها الجماعة كالمكتوبة ، وخصه في " الكافي " بعيد الفطر ( وصفة التكبير شفعا : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) لأنه ـ عليه السلام ـ كان يقول كذلك . رواه الدارقطني ، وقاله علي ، وحكاه ابن المنذر عن عمر . قال أحمد : اختياري تكبير ابن مسعود ، وذكر مثله ، وقال النخعي : كانوا يكبرون كذلك . رواه أبو بكر النجاد ، ولأنه تكبير خارج الصلاة له تعلق بها ، ولا يختص بالحاج ، فكان شفعا كالأذان ، واستحب ابن هبيرة تثليث التكبير أولا وآخرا ، وأما تكبيره ثلاثا في وقت واحد فلم أره في كلامهم ، ولعله يقاس على الاستغفار من الصلاة ، وعلى قول : سبحان الملك القدوس بعد الوتر ; لأن الله وتر يحب الوتر .

                                                                                                                          تتمات : لا بأس قوله لغيره : تقبل الله منا ومنك ، نقله الجماعة كالجواب ، وقال : لا أبتدئ به ، وعنه : الكل حسن ، وعنه : يكره ، ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار ، نص عليه ، وقال : إنما هو دعاء وذكر ، قيل : تفعله أنت قال : لا ، وأول من فعله ابن عباس ، وعمرو بن حريث ، وعنه : يستحب ، ذكرها الشيخ تقي الدين ، ومن تولى صلاة العيد أقامها كل عام ، لأنها راتبة ما لم يمنع منها ، بخلاف كسوف واستسقاء . ذكره القاضي وغيره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية