الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الثاني : خروج النجاسات من سائر البدن ، فإن كان غائطا أو بولا نقض قليلها وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها ، وهو ما فحش في النفس ، وحكي عنه أن قليلها ينقض .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الثاني : خروج النجاسات من سائر ) أي : باقي ( البدن فإن كان غائطا أو بولا نقض قليلها ) بغير خلاف في المذهب لما سبق ، وكالخارج من السبيلين ، وسواء كانا منسدين ، أو مفتوحين فوق المعدة أو تحتها ، وإن انسد المخرج المعتاد ، وانفتح غيره ، قال ابن عقيل : أسفل المعدة ، فخرج منه ريح لم [ ص: 157 ] ينقض في الأشهر ، وإن خرج منه بول أو غائط ، ورجي انقطاعه نقض كثيره ، وفي يسيره روايتان ، قال في " النهاية " : إن انسد المخرج المعتاد خلقة ، فسبيل الحدث المنفتح ، والمسدود كعضو زائد من الخنثى ، وعلم منه أن الخارج إذا كان طاهرا فإنه لا ينقض ، سواء كان بصاقا ، أو نخامة ، أو بلغما ، وهو أصح الروايتين فيه ، وعنه : بلى ، وهو قول أبي يوسف ، وأصلهما هل يفطر الصائم ، والأول : أصح ، لأنها تخلق من البدن كبلغم الرأس ، وقيل : هو نجس إذا انعقد ، وازرق ، وحكاه بعضهم رواية ( وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها ) وهو قول عمر ، وابن عباس لقوله عليه السلام لفاطمة : إنه دم عرق تعلل بكونه دم عرق ، والقيح والدم كذلك ، ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبه الخارج من السبيل ، وفيه نظر ، وقيل : لا ينقض دم ، وقيح ، ودود ، وعنه : لا ينقض قيح ، ولا صديد ، ولا مدة ، إلا أن يخرج ذلك من السبيل ، فلو خرج دم كثير بمص علق ، أو قراد نقض ، فإن لم يخرج بنفسه بل بقطنة ، ونحوها ، فكذلك ، بخلاف مص ذباب ، وبعوض لقلته ، ومشقة الاحتراز منها ، ذكره أبو المعالي ، وظاهره أن اليسير لا ينقض ، وهو كذلك ، ذكره القاضي رواية واحدة ، وحكاه أحمد عن ابن عمر ، وروي عن ابن أبي أوفى ، وجابر ، واشتهر ذلك ، ولم ينكر ، فكان إجماعا ، قال أحمد : قال ابن عباس في الدم : إذا كان فاحشا أعاد الوضوء ، والقليل لا أرى فيه الوضوء ، لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخصوا فيه ، ثم بين حد الكثير فقال ( وهو ما فحش في النفس ) أي : كل أحد بحسبه ، نص عليه ، واحتج بقول ابن عباس : الفاحش ما فحش في قلبك . قال [ ص: 158 ] الخلال : إنه الذي استقر عليه قوله ، وذكره المؤلف المذهب ، قال في " الشرح " : لأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره محرج ، فيكون منفيا ، وعنه : يعتبر نفوس أوساط الناس ، اختاره القاضي ، وجماعة كثيرة ، وجزم به في " التلخيص " ، و " المحرر " ، وقدمه في " الفروع " كما يرجع في يسير اللقطة إليهم ، وعنه : الفاحش قدر الكف ، وعنه : قدر عشرة أصابع ( وحكي عنه : أن قليلها ينقض ) لما روى معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضأ ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق ، فسألته ، فقال : صدق أنا صببت له وضوءه رواه أحمد ، واحتج به ، وقال الترمذي : هو أصح شيء في الباب ، وعن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أصابه قيء ، أو رعاف ، أو قلس ، أو مذي ، فلينصرف فليتوضأ رواه ابن ماجه ، والدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش ، عن ابن جريج ، وهو حجازي ، وروايته عن الحجازيين ضعيفة عند أكثر المحدثين ، وكخارج معتاد لكن قال في " المغني " : لا تعرف هذه الرواية ، ولم يذكرها الخلال في جامعه إلا في القلس ، واطرحها ، وقال الشيخ تقي الدين : لا نقض مطلقا ، واختاره الآجري في غير القيء ، فإن شرب ماء وقذفه في الحال فنجس ، وبالجملة فيحملان على الفاحش ، جمعا بين الأدلة .

                                                                                                                          فائدة : القلس بالتحريك ، وقيل بالسكون : ما خرج من الجوف ملء الفم ، أو دونه ، وليس بقيء فإن عاد فهو قيء .




                                                                                                                          الخدمات العلمية