الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          السابع : أكل لحم الجزور ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضئوا من لحوم الإبل ، ولا توضئوا من لحوم الغنم ، فإن شرب من لبنها ، فعلى روايتين ، وإن أكل من كبدها أو طحالها ، فعلى وجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( السابع : أكل لحم الجزور ) على الأصح ( لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضئوا من لحوم الإبل ، ولا توضئوا من لحوم الغنم رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي من حديث البراء بن عازب ، وصححه أحمد ، وإسحاق ، وقال ابن خزيمة : لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح ، وروى مسلم معناه من حديث جابر بن سمرة ، قال الخطابي : ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث ، فعلى هذا لا فرق فيه بين قليله ، وكثيره ، نيئه ، أو مطبوخه ، عالما كان الآكل أو جاهلا ، وعنه : إن علم النهي نقض . قال الخلال : وعلى هذا استقر قوله ، لأنه خبر آحاد فيعذر بالجهل كما يعذر بجهل الزنا ، ونحوه الحديث العهد بالإسلام ، وعنه : ينقض نيئه ، وعنه : إن طالت المدة كعشر سنين ، لم يعد ، بخلاف ما إذا قصرت ، وعنه : لا يعيد إذا تركه متأولا ، وعنه : إذا كثر أكلها ، وعنه : لا نقض مطلقا ، وهو قول [ ص: 169 ] أكثر العلماء لما روى جابر قال : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وإسناده جيد ، وقال عمر ، وابن عباس : الوضوء مما خرج ، وليس مما دخل . رواه سعيد ، ولأنه مأكول أشبه سائر المأكولات ، والأول : أصح ، لا يقال : يحتمل أن يراد بالوضوء غسل اليدين ، لأنه مقرون بالأكل ، كما حمل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء قبل الطعام وبعده ، ويحتمل أن يراد به على وجه الاستحباب ، لأن الوضوء الوارد في الشرع يحمل على موضوعه الشرعي ، ولأنه جمع بين ما أمر به ، وهو الوضوء من لحومها ، وبين ما نهي عنه ، وهو عدم الوضوء من لحوم الغنم ، والخصم يقول : بأنه يستحب فيهما ، ولأن السؤال وقع عن الوضوء والصلاة ، والوضوء المقترن بها لا يفهم منه غير الوضوء الشرعي ، ولأن مقتضى الأمر الإيجاب ، لأنه أوجب الوضوء منه ، ودعوى النسخ مردودة بأمور ، وقيل : الوضوء منه معلل بأنها من الشياطين ، إذ كل عات متمرد شيطان ، فالكلب الأسود شيطان الكلاب ، والإبل شياطين الأنعام ، فالأكل منها يورث حالة شيطانية ، والشيطان يطفئه بارد الماء .

                                                                                                                          ( فإن شرب من لبنها فعلى روايتين ) كذا في " المغني " ، و " المحرر " ، و " الفروع " إحداهما : ينقض لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : توضئوا من لحوم الإبل ، وألبانها رواه أحمد ، وابن ماجه من رواية الحجاج بن أرطاة ، وروى الشالنجي نحوه من حديث البراء بن عازب ، وإسناده جيد ، والأخرى : لا ، وهي ظاهر " الوجيز " قال الزركشي : واختيار الأكثرين لما روى ابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مضمضوا من اللبن ، فإن له دسما [ ص: 170 ] فدل على أنه يكتفى بها في كل لبن ، ولأن الأخبار الصحيحة إنما وردت في اللحم ، والحكم فيه غير معقول المعنى ، فيقتصر على مورد النص فيه ( وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين ) وفي " الفروع " روايتان إحداهما : لا ينقض ، لأن النص لم يتناوله ، والثانية : بلى ، لأن ذلك من جملة الجزور ، فإطلاق لفظ اللحم يتناوله ، بدليل أن الله تعالى لما حرم لحم الخنزير تناول جميع أجزائه ، والأشهر الأول ، والحكم في بقية الأجزاء كالكرش ، والمصران ، والسنام ، والدهن كذلك ، وعلم منه أن لا وضوء من غيره سواء مسته النار أو لا ، وهو قول أكثر العلماء ، وروي عن الخلفاء الراشدين ، ولا وضوء بأكل لحم محرم ، وكذا طعام محرم على الأصح ، وعنه : يختص النقض بلحم الخنزير . قال أبو بكر : وبقية النجاسات تخرج عليه حكاه ابن عقيل ، وقال الشيخ تقي الدين : الخبيث المباح للضرورة ، كلحم السباع أبلغ من الإبل ، فبالوضوء منه أولى ، قال : والخلاف فيه مبني على أن لحم الإبل تعبدي ، أو عقل معناه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية