الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 41 ] فصل

                                                                                                                          القسم الثاني : ماء طاهر غير مطهر ، وهو ما خالطه طاهر فغير اسمه ، أو غلب على أجزائه ، أو طبخ فيه ، فغيره ، فإن غير أحد أوصافه ، لونه ، أو طعمه ، أو ريحه ، أو استعمل في رفع حدث ، أو طهارة مشروعة كالتجديد ، وغسل الجمعة ، أو غمس يده فيه قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا ، فهل يسلبه الطهورية ؛ على روايتين ، وإن أزيلت به النجاسة ، فانفصل متغيرا ، أو قبل زوالها ، فهو نجس ، وإن انفصل غير متغير بعد زوالها ، فهو طاهر إن كان المحل أرضا ، وإن كان غير الأرض ، فهو طاهر في أصح الوجهين وهل يكون طهورا ؛ على وجهين ، وإن خلت بالطهارة منه امرأة ، فهو طهور ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          هو عبارة عن الحجز بين شيئين ، ومنه فصل الربيع ، لأنه يحجز بين الشتاء والصيف ، وهو في كتب العلم كذلك ، لأنه حاجز بين أجناس المسائل وأنواعها ( القسم الثاني : ماء طاهر غير مطهر ) جعله وسطا لسلب إحدى الصفتين ، وبقاء الأخرى ، وهو قسمان : أحدهما غير مطهر بالإجماع ( وهو ما خالطه طاهر ) يمكن أن يصان الماء عنه ، والمراد بالمخالطة هنا : الممازجة بحيث يستهلك جرم الطاهر في جرم الماء ، وتتلاقى جميع أجزائهما ، والثاني : مختلف في التطهير به ، وسيأتي ، والأول : ثلاثة أنواع : ما خالطه طاهر ( فغير اسمه ) بأن صار صبغا أو خلا ، لأنه أزال عنه اسم الماء ( أو غلب على أجزائه ) فصيره حبرا ، لأن المخالط إذا غلب على أجزاء الماء أزال معناه لكونه لا يطلب منه الإرواء ، ( أو طبخ فيه فغيره ) ، حتى صار مرقا ، كماء الباقلاء المغلي ، لأنه قد بقي طبيخا ، وزال عنه مقصود الماء من الإرواء ، أشبه ما لو صار حبرا ، وقد فهم منه أن الماء إذا خالطه طاهر ولم يغيره أنه باق على طهوريته ; لما روت أم هانئ : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل هو وزوجته من قصعة فيها أثر العجين ، رواه أحمد ، وغيره ، وقد أورد ابن المنجا بأن الطبخ إن تغير فيه تغير الاسم ، أو غلبة الأجزاء كان كالنوعين فلا حاجة إلى ذكره ، وإن لم يعتبر فيه ذلك ، دخل فيه ماء سلق فيه بيض ، فإنه يسمى طبخا بدليل اليمين ، وطبخ ما ذكر لا يسلبه الطهورية ، وأجاب بأن المراد به الطبخ المعتاد ، وقوله : طبخ فيه لا عموم له .

                                                                                                                          [ ص: 42 ] تذنيب : حكم المياه المعتصرة من الطهارات كماء الورد ، وما ينزل من عروق الأشجار غير مطهر خلافا لابن أبي ليلى ، والأصم ، إذ الطهارة لا تجوز إلا بالماء المطلق ، وكذا النبيذ ، نص عليه ، وهو قول الجماهير ، واختاره الطحاوي ، وصححه قاضي خان ، وقال عكرمة وفاقا لأبي حنيفة في المشهور عنه : يتوضأ به في السفر عند عدم الماء ، وعنه : يجب الجمع بينه وبين التيمم ، وقاله محمد بن الحسن ، وعنه : الجمع بينهما مستحب ، ويجوز الاقتصار على النبيذ ، وقاله إسحاق ، وقال أبو حنيفة : يتوضأ به ، وتشترط فيه النية ولا يتيمم ، قال الرازي : وهي أشهر عنه ، وقاله زفر . قال في " المحيط " ، و " المبسوط " وقاضي خان : النبيذ المشتد حرام شربه فكيف يتوضأ به ، واحتجوا بما روى أبو فزارة ، واسمه راشد بن كيسان ، - عن أبي زيد ، عن ابن مسعود قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ، فقال : أمعك ماء ؛ قلت : لا . قال : ما في الإداوة ؛ قلت : نبيذ . فقال : تمرة طيبة وماء طهور رواه أحمد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وجوابه : أنه مائع لا يقع عليه اسم الماء المطلق ، أشبه نبيذ الزبيب ، وحديث ابن مسعود لم يصححه أحمد ، وأبو زرعة ، وقال الخلال : كأنه موضوع ، وقال جماعة : لم يكن ابن مسعود مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ، وقال الطبراني : أحاديث الوضوء بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية ، قال عبد الحق : لا يصح منها شيء ، وقال الطحاوي : إنما ذهب أبو حنيفة ، وأبو يوسف إلى الوضوء بالنبيذ اعتمادا على حديث ابن مسعود ، ولا أصل له .

                                                                                                                          [ ص: 43 ] ثم شرع في بيان القسم الثاني المختلف فيه ، فقال ( فإن غير ) أي الطاهر ، سواء كان مذرورا كالزعفران والأشنان ، أو حبوبا كالباقلاء والحمص ( أحد أوصافه ) والمذهب : أو أكثرها ( لونه ) واختلف في لون الماء على أقوال ، وذهب جماعة أنه لا لون له ، ورد بقوله عليه السلام عن ماء الحوض أشد بياضا من اللبن ( أو طعمه أو ريحه ) فهو طاهر غير مطهر في رواية نص عليها ، اختارها الخرقي ، وأبو بكر في " الشافي " وأبو حفص في " المقنع " والقاضي ، وقال : هي المنصورة عند أصحابنا ، لأنه تغير بمخالطة طاهر يمكن صونه عنه ، أشبه ما لو تغير بطبخ ، ولأنه لو وكل في شراء ماء لم يلزمه قبوله ، والنصوص إنما وردت في الماء المطلق العاري عن القيود بدليل صحة النفي ، ولو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران لم يحنث ، وكلامه دال على أنه لا فرق في التغيير بين الأوصاف الثلاثة ، لأن الأصحاب سووا بينها قياسا لبعضها على بعض ، لكن الخرقي شرط الكثرة في الرائحة دون غيرها ، قال ابن حمدان : وهو أظهر لسرعة سرايتها ونفوذها ، وفي أخرى : مطهر ، نقلها أبو الحارث ، والميموني ، وذكر في " الكافي " أنها أكثر الروايات عنه ، لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [ النساء 43 ] ، وهو عام في كل ماء ، لأنه نكرة في سياق النفي ، فلم يجز التيمم عند وجوده ، ولأنه لم يسلبه اسمه ولا رقته ، أشبه المتغير بالدهن .

                                                                                                                          وفي ثالثة : طهور مع عدم قاله ابن أبي موسى ، والأول أصح ، لأنه إن لم يسلبه اسمه فقد سلبه الإطلاق ، والقياس على المتغير بالدهن لا يصح ، لأنه تغير عن مجاورة ، وهذا تغير عن مخالطة .

                                                                                                                          [ ص: 44 ] فرع :

                                                                                                                          إذا غير وصفين أو ثلاثة ، فذكر القاضي روايتين إحداهما : مطهرة ، لأن الصحابة كانوا يسافرون ، وغالب أسقيتهم الأدم ، وهي تغير أوصاف الماء عادة ، ولم يكونوا يتيممون معها ، والثانية : ليس بمطهر على الأشهر ، لأنه غلب على الماء أشبه ما لو زال اسمه .

                                                                                                                          ( أو استعمل ) - وكان دون القلتين جزم به في " المحرر " و " الوجيز " ( في رفع حدث ) أي حدث كان فهو طاهر ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صب على جابر من وضوئه ، رواه البخاري غير مطهر في رواية ، وفي " الكافي " : إنها الأشهر ، وذكره ابن شهاب ظاهر المذهب ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم ، وهو جنب .

                                                                                                                          رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، ولولا أنه يفيد منعا لم ينه عنه ، ولأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو أزال به النجاسة ، أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف ، أشبه الرقبة في الكفارة ، وفي أخرى : مطهر اختارها ابن عقيل ، وأبو البقاء ، لما روى ابن عباس مرفوعا الماء لا يجنب .

                                                                                                                          رواه أحمد ، وغيره ، وصححه الترمذي ، لأنه ماء طاهر لاقى أعضاء طاهرة ، فلم يسلبه الطهورية ، أشبه ما لو تبرد به ، وفي ثالثة : نجس ، نص عليه في ثوب المتطهر ، لأنه عليه السلام نهى عن الغسل في الماء الدائم ، ونهى عن البول فيه ، ولا شك أن البول ينجسه ، فكذا الغسل ، ولأنه أزال مانعا من الصلاة ، أشبه إزالة النجاسة قال جماعة : وعليها يعفى عما قطر على بدن المتطهر وثوبه ، ويستحب غسله في رواية ، وفي أخرى : لا ، صححه الأزجي ، والشيخ تقي الدين ، والأولى أصح ، لأن رفع الحدث لا يقاس على إزالة النجس ، لما بينهما من الفرق ، وبأنه يكفي اشتراكهما في أصل المنع من التطهير به ، ولا يلزم [ ص: 45 ] اشتراكهما في التنجيس قاله في " الشرح " ، وقال أبو الفرج : ظاهر كلام الخرقي أنه طهور في إزالة الخبث ، وفيه نظر ، والمنفصل من غسل الميت إذا قلنا بطهارته فيه الروايات ، ويستثنى على الأول غير غسل ذمية لحيض ، ونفاس ، وجنابة ، ذكره في " الشرح " فيه وجها واحدا بالشرط السابق . فإن كان قلتين أو غسل رأسه بدلا عن مسحه لم يسلبه .

                                                                                                                          مسألة : إذا اشترى ماء ليشربه ، فبان قد توضئ به فعيب ، لأنه مستقذر شرعا ذكره في " النوادر " .

                                                                                                                          ( أو طهارة مشروعة كالتجديد ، وغسل الجمعة ) والإحرام ، وسائر الأغسال المستحبة ، فالمذهب أنه طهور قدمه في " الكافي " و " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " وصححه في " النهاية " لأنه لم يرفع حدثا ، ولم يزل نجسا أشبه التبرد ، والأخرى : غير مطهر قدمها ابن تميم ، لأنه استعمل في طهارة شرعية ، أشبه ما لو رفع به حدثا ، وظاهره أن الطهارة إذا لم تكن مشروعة كالتبرد لم تسلبه الطهورية بغير خلاف نعلمه . قاله في " المغني " و " الشرح " .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : المذهب يصير الماء مستعملا بانتقاله إلى عضو آخر ، وعنه : لا . قاله في " النهاية " وعنه : لا في الجنب ، وعنه : يكفيهما مسح اللمعة بلا غسل ذكره ابن عقيل .

                                                                                                                          الثانية : أعضاء الحدث الأصغر ليست كعضو واحد ، وعنه : بلى .

                                                                                                                          الثالثة : إذا انغمس جنب أو محدث في قليل راكد بنية رفع حدثه ، أو نواه بعد انغماسه لم يرتفع وصار مستعملا ، نص عليه . قيل : [ ص: 46 ] بأول جزء لاقى منه الماء كمحل نجس لاقاه ، وذلك الجزء غير معلوم . قاله القاضي وغيره ، وقيل : بأول جزء انفصل ، كالمتردد على المحل ، ويتوجه على الخلاف ما لو اغترف منه آخر ، وتوضأ به قبل الانفصال ، وقيل : ليس مستعملا ، وقيل : يرتفع ( أو غمس يده ) - وهي من رءوس الأصابع إلى الكوع ، وقيل : أو بعضها - ( فيه ) أي : في الماء إذا كان دون قلتين ، ودل على أنه لا أثر لغمسها في مائع طاهر ، وهو كذلك في الأصح ( قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا فهل يسلبه الطهورية ؛ على روايتين ) إحداهما : يسلبه ، اختاره أبو بكر ، والقاضي ، وكثير من الأصحاب لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ، فإنه لا يدري أين باتت يده . متفق عليه من حديث أبي هريرة ، ولفظه لمسلم .

                                                                                                                          وفي رواية : " فليغسل يده " .

                                                                                                                          ولأبي داود ، والترمذي ، وصححه : من الليل ومقتضى ذلك الوجوب ، وعليها غسلهما شرط لصحة الوضوء ، قاله ابن عبدوس ، وهل هو تعبد ؛ فيجب إن شدت يده أو جعلت في جراب ، أو نحوه ، أو معلل بوهم النجاسة فلا يجب ؛ فيه وجهان ، ويتعلق هذا الحكم بالنوم الناقض للوضوء ، وقال ابن عقيل : هو ما زاد على نصف الليل ، لأنه قبل ذلك لا يسمى بيتوتة ، بدليل ما لو دفع قبل نصف الليل ، فإن عليه دما ، وينتقض بمن وافاها بعد نصف الليل فإنه لا دم عليه ، مع كونه أقل من نصفه ، واقتضى كلامه أن نوم النهار لا أثر له . قال في " الشرح " : رواية واحدة حملا للمطلق على المقيد ، وعنه : بلى ، وهو قول الحسن ، وظاهره أنه يؤثر غمسها فيه بعد غسلها مرة أو مرتين ، وهو كذلك في قول الأكثر ، وقيل : يكفي غسلها مرة . فعلى هذا لا يؤثر غمسها فيه بعد [ ص: 47 ] ذلك ، وفي وجوب النية والتسمية لغسلهما أوجه . ثالثها : تجب النية فقط ، والمذهب لا فرق في الغمس بعد نية غسلها أو قبلها ، وقال المجد : إنما يؤثر إذا كان بعد نية الوضوء ، وقبل غسلهما ، وعليها إذا لم يجد غيره استعمله وتيمم معه ، ويجوز استعماله في شرب وغيره ، وقيل : يكره ، وقيل : يحرم ، صححه الأزجي ، للأمر بإراقته ، وظاهره أنه إذا حصل في يده من غير غمس أنه طهور ، وهو كذلك في رواية ، وعنه : كغمسه ، وفم أو رجل كيد في قليل بعد نية غسل واجب لا وضوء ، وفي " الشرح " أنه إذا كانت يده نجسة ، والماء قليل ، وليس معه ما يغترف به ، فإن أمكنه أن يأخذ بفيه ، ويصب على يديه ، أو يغمس خرقة ، أو غيرها فعل ، فإن لم يمكنه تيمم كي لا ينجس الماء ، ويتنجس به ، ومقتضاه أنه شامل للصغير والمجنون ، والكافر كضدهم ، وهو وجه .

                                                                                                                          والثانية : لا يسلبه ، اختارها الخرقي والشيخان ، وجزم بها في " الوجيز " وذكر في " الشرح " أنه الصحيح ، لأنه ماء لاقى أعضاء طاهرة ، فكان على أصله ، ونهيه عليه السلام عن غمس اليد ، إن كان لوهم النجاسة فهو لا يزيل الطهورية كما لا يزيل الطاهرية ، وإن كان تعبدا اقتصر على مورد النص ، وهو مشروعية الغسل ، وحديث أبي هريرة محمول على الاستحباب ، وفي ثالثة : هو نجس ، اختارها الخلال ، لأنه مأمور بإراقته في خبر رواه أبو حفص العكبري ، وقد فصل بعضهم ، فقال : إن قلنا بوجوب غسلهما ، فكمستعمل في رفع حدث ، وإن سن غسلهما ، فكمستعمل في طهارة مسنونة .

                                                                                                                          [ ص: 48 ] ( وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيرا ) فهو نجس بغير خلاف ، لأنه تغير بالنجاسة ( أو قبل زوالها ) يعني : إذا انفصل غير متغير مع بقاء النجاسة ، كالمنفصل في السادسة من ولوغ الكلب ( فهو نجس ) لأنه ملاق لنجاسة لم يطهرها . فكان نجسا أشبه ما لو وردت عليه . والمحل المنفصل عنه في الصورة الأولى طاهر . صرح به الآمدي ، وهو مقتضى كلام القاضي ، وجزم في " الانتصار " بنجاسته ، وهو ظاهر كلام الحلواني ( وإن انفصل غير متغير بعد زوالها ) وهو معنى كلامه في " المحرر " ، و " الوجيز " ، ولم يبق للنجاسة أثر ( فهو طاهر إن كان المحل أرضا ) نصره في " الشرح " ، وقدمه ابن تميم ، وابن حمدان ، لما روى البخاري من حديث أبي هريرة : أن أعرابيا بال في طائفة المسجد ، فقام إليه الناس ليقعوا به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه ، وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء .

                                                                                                                          أمر بذلك لأجل التطهير ، ولولا أنه يطهر لكان تكثيرا للنجاسة ، ويلزم منه طهارة المحل ، وقد صرح به في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وإن لم ينفصل الماء ، وعن أحمد : إن كانت النجاسة رطبة ، والأرض صلبة ، فمنفصله نجس ، وقيل : المنفصل عن الأرض كالمنفصل عن غيرها في الطهارة والنجاسة ، وحكاه ابن البنا رواية .

                                                                                                                          فرع : إذا وقع خمر على أرض فذهب بالماء لونه دون ريحه ، عفي عنه في الأصح ، وتطهر أرض البئر اليابسة ونحوها بنبع ماء طهور كثير فيها .

                                                                                                                          ( وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين ) قاله ابن تميم ، وغيره ، لأنه انفصل عن محل محكوم بطهارته ، كالمنفصل في السابعة من ولوغ الكلب .

                                                                                                                          [ ص: 49 ] وهو معنى كلامه في " الوجيز " : وآخر غسلة زالت النجاسة بها ، ولأنه بعض المتصل ، وهو طاهر بالإجماع ، وشرطه الانفصال ، وصرح به في " المحرر " بخلاف الأرض ، لأنه إذا لم ينفصل فعين النجاسة قائمة ، ومقصود الغسل زوالها .

                                                                                                                          والثاني : نجس ، اختاره ابن حامد ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة ، أشبه ما لو انفصل قبل زوالها ، والبلل الباقي إنما عفي عنه للضرورة ( وهل يكون طهورا ؛ على وجهين ) : مبنيان على المستعمل في رفع الحدث ، لأنه أزيلت به نجاسة حكمية ، لأنها زالت بما قبلها من الغسلات ، أشبه الحدث ، لاشتراكهما في المنع الشرعي .

                                                                                                                          ( وإن خلت بالطهارة ) أي : الكاملة عن حدث ( منه ) إذا كان قليلا جزم به في " الشرح " و " الوجيز " لأن النجاسة لا تؤثر في الماء الكثير فهذا أولى ، وقيل : وبكثير ( امرأة ) مسلمة كانت أو ذمية ، وهو أحد الوجهين عنها إذا خلت به لغسلها من الحيض ، لأنه قد تعلق به إباحة وطئها ، والثاني : لا يمنع ، لأن طهارتها غير صحيحة ، ومثله غسلها من النفاس والجنابة ، وقيل : المميزة كذلك ( فهو طهور ) بالأصل ، لأنه يجوز لها أن تتطهر به ، ولغيرها من النساء أشبه بالذي لم تخل به ( ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب ) لما روى الحكم بن عمرو الغفاري قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه الخمسة إلا أن النسائي ، وابن ماجه قالا : وضوء المرأة ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن حبان ، واحتج به أحمد في رواية الأثرم ، وخصصناه بالخلوة ، لقول عبد الله بن سرجس : توضأ أنت ها هنا ، وهي ها هنا ، [ ص: 50 ] فإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم ، ثم في معنى الخلوة روايتان : إحداهما : انفرادها به عن مشاركة رجل ، لقول عائشة : كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ، تختلف أيدينا فيه من الجنابة متفق عليه . والثانية وهي الأصح : أن لا يشاهدها أحد عند طهارتها ، فعلى هذا ، هل تزول بمشاهدة المرأة ، والصبي ، والكافر ؛ على وجهين : أحدهما : تزول ، كخلوة النكاح ، اختاره الشريف أبو جعفر ، والثاني : لا تزول إلا بمشاهدة مسلم مكلف ، اختاره القاضي ، والثانية : تجوز ، وهي اختيار ابن عقيل ، قال في " الشرح " : وهو أقيس لما روى ابن عباس : أن امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - استحمت من جنابة ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ من فضلها ، فقالت : يا رسول الله ، إني اغتسلت منه فقال : الماء لا يجنب .

                                                                                                                          رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وهو ظاهر في الخلوة ، لأن العادة أن الإنسان يقصد الخلوة في الاغتسال ، وكاستعمالهما معا ، وكإزالتها به نجاسة ، وكامرأة أخرى ، وكتطهرها بما خلا به في الأصح فيهن ، ونقله الجماعة في الأخيرة ، وذكره القاضي وغيره إجماعا ، وفي ثالثة : يجوز مع الكراهة ، ومعناه اختيار الآجري ، وهذا كله على رواية الطهورية ، وقيل : أو الطاهرية ، وهو الذي في " المستوعب " واقتضى كلامه : أن الخلوة به للشرب ، أو التبريد ، أو التنظيف من وسخ لا أثر له ، وهذا هو الأصح ، وإن كان لغسل بعض أعضائها عن حدث ، أو في طهر مستحب ، أو طهارة خبث أثرت قياسا على الوضوء ، والثاني : لا ، لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة .

                                                                                                                          [ ص: 51 ] فرع : الخنثى كرجل ، ذكره ابن تميم ، وقدمه في " الفروع " وعند ابن عقيل كامرأة . قال ابن حمدان : هل تلحق الصبية بالمرأة ، والصبي بالرجل ؛ على وجهين : وفيما تيممت به خلوة احتمالان .

                                                                                                                          تذنيب : إذا اغترف بيده من القليل بعد نية غسله ، صار مستعملا ، نقله واختاره الأكثر . وعنه : لا ، اختاره جماعة لصرف النية بقصد استعماله خارجه ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، وقيل : اغتراف متوضئ بعد غسل وجهه لم ينو غسلها فيه كجنب ، والمذهب طهور لمشقة تكرره ، فإن وقع في طهور مستعمل عفي عن يسيره ، فإن كثر الواقع وتفاحش منع في رواية ، وقال المجد : الحكم للأكثر قدرا ، وقال ابن عقيل : إن كان الواقع بحيث لو كان خلا غيره ، منع . ونصه فيمن انتضح من وضوئه في إنائه : لا بأس ، وإن كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فكمله بمائع آخر لم يغيره جاز الوضوء به في رواية ، ورجحها في " الشرح " لأن المائع قد استهلك ، وإن بلغ بعد خلطه قلتين أو كانا مستعملين فطاهر . وقيل : طهور .




                                                                                                                          الخدمات العلمية