الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل السادس

في مانع الجمع .

- واتفقوا على أنه لا يجمع بين الأختين بعقد نكاح لقوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) واختلفوا في الجمع بينهما بملك اليمين ، والفقهاء على منعه ، وذهبت طائفة إلى إباحة ذلك .

وسبب اختلافهم : معارضة عموم قوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) لعموم الاستثناء في آخر الآية ، وهو قوله تعالى : ( إلا ما ملكت أيمانكم ) وذلك أن هذا الاستثناء يحتمل أن يعود لأقرب مذكور ، ويحتمل أن يعود لجميع ما تضمنته الآية من التحريم إلا ما وقع الإجماع على أنه لا تأثير له فيه ، فيخرج من عموم قوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) . ملك اليمين ، ويحتمل أن لا يعود إلا إلى أقرب مذكور ، فيبقى قوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) على عمومه ، ولا سيما إن عللنا ذلك بعلة الأخوة أو بسبب موجود فيهما .

واختلف الذين قالوا بالمنع في ملك اليمين إذا كانت إحداهما بنكاح والأخرى بملك يمين ، فمنعه مالك وأبو حنيفة ، وأجازه الشافعي .

وكذلك اتفقوا فيما أعلم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، لثبوت ذلك عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة ، وتواتره عنه عليه الصلاة والسلام من أنه قال عليه الصلاة والسلام : " لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " .

[ ص: 427 ] واتفقوا على أن العمة هاهنا هي كل أنثى هي أخت لذكر له عليك ولادة ، إما بنفسه ، وإما بواسطة ذكر آخر .

وأن الخالة : هي كل أنثى هي أخت لكل أنثى لها عليك ولادة ، إما بنفسها ، وإما بتوسط أنثى غيرها ، وهن الحرات من قبل الأم .

واختلفوا هل هذا من باب الخاص أريد به الخاص ، أم هو من باب الخاص أريد به العام ؟ .

والذين قالوا : هو من باب الخاص أريد به العام اختلفوا أي عام هو المقصود به ؟ فقال قوم وهم الأكثر ، وعليه الجمهور من فقهاء الأمصار : هو خاص أريد به الخصوص فقط ، وأن التحريم لا يتعدى إلى غير من نص عليه . وقال قوم : هو خاص ، والمراد به العموم ، وهو الجمع بين كل امرأتين بينهما رحم محرمة أو غير محرمة ، فلا يجوز الجمع عند هؤلاء بين ابنتي عم أو عمة ، ولا بين ابنتي خال أو خالة ، ولا بين المرأة وبنت عمها أو بنت عمتها ، أو بينها وبين بنت خالتها . وقال قوم : إنما يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة محرمة ( أعني : لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا ) .

ومن هؤلاء من اشترط في هذا المعنى أن يعتبر هذا من الطرفين جميعا ( أعني : إذا جعل كل واحد منهما ذكرا والآخر أنثى فلم يجز لهما أن يتناكحا ; فهؤلاء لا يحل الجمع بينهما ) . وأما إن جعل في أحد الطرفين ذكر يحرم التزويج ; ولم يحرم من الطرف الآخر ; فإن الجمع يجوز ، كالحال في الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها ، فإنه إن وضعنا البنت ذكرا لم يحل نكاح المرأة منه لأنها زوج أبيه ، وإن جعلنا المرأة ذكرا حل لها نكاح ابنة الزوج لأنها تكون ابنة لأجنبي ، وهذا القانون هو الذي اختاره أصحاب مالك ، وأولئك يمنعون الجمع بين زوج الرجل وابنته من غيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية