الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ شروط الهبة ]

وأما الشروط فأشهرها القبض ( أعني : أن العلماء اختلفوا هل القبض شرط في صحة العقد أم لا ؟ ) فاتفق الثوري ، والشافعي ، وأبو حنيفة أن من شرط صحة الهبة القبض ، وأنه إذا لم يقبض لم يلزم الواهب . وقال مالك : ينعقد بالقبول ويجبر على القبض كالبيع سواء ، فإن تأنى الموهوب له عن طلب القبض حتى أفلس الواهب أو مرض بطلت الهبة ، وله إذا باع تفصيل : إن علم فتوانى لم يكن له إلا الثمن ، وإن قام في الفور كان له الموهوب .

فمالك : القبض عنده في الهبة من شروط التمام لا من شروط الصحة ، وهو عند الشافعي ، وأبي حنيفة من شروط الصحة . وقال أحمد ، وأبو ثور : تصح الهبة بالعقد ، وليس القبض من شروطها أصلا ، لا من شرط تمام ولا من شرط صحة ، وهو قول أهل الظاهر . وقد روي عن أحمد بن حنبل أن القبض من شروطها في المكيل والموزون .

[ ص: 664 ] فعمدة من لم يشترط القبض في الهبة تشبيهها بالبيع ، وأن الأصل في العقود أن لا قبض مشترط في صحتها حتى يقوم الدليل على اشتراط القبض .

وعمدة من اشترط القبض أن ذلك مروي عن أبي بكر - رضي الله عنه - في حديث هبته لعائشة المتقدم ، وهو نص في اشتراط القبض في صحة الهبة . وما روى مالك عن عمر أيضا أنه قال : ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها ، فإن مات ابن أحدهم قال : مالي بيدي لم أعطه أحدا ، وإن مات قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه ، فمن نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها للمنحول له وأبقاها حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة ، وهو قول علي ، قالوا : وهو إجماع من الصحابة ; لأنه لم ينقل عنهم في ذلك خلاف .

وأما مالك فاعتمد الأمرين جميعا : ( أعني : القياس وما روي عن الصحابة ) وجمع بينهما ، فمن حيث هي عقد من العقود لم يكن عنده شرطا من شروط صحتها القبض ، ومن حيث شرطت الصحابة فيه القبض لسد الذريعة التي ذكرها عمر جعل القبض فيها من شرط التمام ، ومن حق الموهوب له ، وأنه إن تراخى حتى يفوت القبض بمرض أو إفلاس على الواهب سقط حقه .

وجمهور فقهاء الأمصار على أن الأب يحوز لابنه الصغير الذي في ولاية نظره ، وللكبير السفيه الذي ما وهبه ، كما يحوز لهما ما وهبه غيره لهم ، وأنه يكفي في الحيازة له إشهاده بالهبة والإعلان بذلك ، وذلك كله فيما عدا الذهب والفضة وفيما لا يتعين .

والأصل في ذلك عندهم ما رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قال : من نحل ابنا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحلته فأعلن ذلك وأشهد عليه فهي حيازة وإن وليها ، وقال مالك وأصحابه : لا بد من الحيازة في المسكون والملبوس ، فإن كانت دارا سكن فيها خرج منها ، وكذلك الملبوس إن لبسه بطلت الهبة ، وقالوا في سائر العروض بمثل قول الفقهاء ( أعني : أنه يكفي في ذلك إعلانه وإشهاده ) ، وأما الذهب والورق فاختلفت الرواية فيه عن مالك ، فروي عنه أنه لا يجوز إلا أن يخرجه الأب عن يده إلى يد غيره ، وروي عنه أنه يجوز إذا جعلها في ظرف أو إناء وختم عليها بخاتم وأشهد على ذلك الشهود .

ولا خلاف بين أصحاب مالك أن الوصي يقوم في ذلك مقام الأب . واختلفوا في الأم; فقال ابن القاسم : لا تقوم مقام الأب ، ورواه عن مالك ، وقال غيره من أصحابه : تقوم ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال الشافعي : الجد بمنزلة الأب ، والجدة عند ابن وهب - أم الأم - تقوم مقام الأم ، والأم عنده تقوم مقام الأب .

التالي السابق


الخدمات العلمية