الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 607 ] فإن قيل : إن عنيتم الأشبه عند الله تعالى ، دل على أن عنده حكما معينا ، والذي يصيبه المجتهد أشبه من غيره ، وإلا فبينوا المراد به .

                قلنا : المراد الأشبه بما عهد من حكمة الشرع ، ولا يلزم التعيين .

                فإن قيل : فلم لا يجوز أن يكون الأشبه في نفس الأمر ، هو المعين عند الله تعالى .

                قلنا : للقطع بأن لا غرض له في تعيينه .

                فإن قيل : لعل تعيينه تضمن مصلحة .

                قلنا : ولعل عدمه كذلك ، فما المرجح ؟

                قالوا : الدليل يستدعي مدلولا قطعيا .

                قلنا : المدلول أعم من المعين وغيره ، فهو كما ذكرنا .

                فإن قيل : الأحكام القياسية محمولة على النصية ، والنصية معينة ، فكذا القياسية .

                قلنا : قياس ظني ، وما ذكرناه أظهر .

                التالي السابق


                قوله : " فإن قيل " ، إلى آخره . هذا تشكيك على القول بالأشبه .

                وتقريره : أن يقال : " إن عنيتم " بالأشبه ما هو أشبه " عند الله - سبحانه وتعالى - دل على أن عنده حكما معينا ، والذي يصيبه المجتهد أشبه " بذلك الحكم المعين " من غيره " ، فقد ثبت أن الحكم معين ، وإن لم تعنوا به هذا فبينوا مرادكم به ، حتى نعلمه ، ونتكلم عليه بما عندنا .

                [ ص: 608 ] قوله : " قلنا " ، أي : الجواب عن هذا السؤال أن " المراد " بالأشبه المطلوب للمجتهد هو " الأشبه بما عهد من حكمة الشرع " ، بحيث لو قدرنا أن الشرع لو عين حكما ملائما لحكمته الشرعية ، المفهومة من نصوصه وإشارته وإيمائه ، لكان مطلوب المجتهد ، وما أصابه باجتهاده أشبه بذلك الحكم المقدر ، ولا يلزم من ذلك تعيين الحكم في جهة .

                قوله : " فإن قيل : " ، إلى آخره . هذا سؤال آخر على القول بالأشبه .

                وتقريره " أن يقال : " لم لا يجوز أن يكون الأشبه " الذي فسرتموه هو " في نفس الأمر " الحكم " المعين عند الله " - عز وجل - لأن الله - عز وجل - لا يختار من الأحكام إلا ما ناسب الحكمة واقتضته ، فيكون المعين هو الأشبه ، ويلزم تعيين الحكم .

                قوله : " قلنا " ، أي : الجواب عن هذا السؤال : أنا إنما قلنا بأن الأشبه ليس معينا في نفس الأمر عند الله - عز وجل - " للقطع بأنه لا غرض له في تعيينه " بما سبق آنفا ، فلو عينه مع ذلك ، لكان تعيينه عبثا .

                قوله : " فإن قيل " ، إلى آخره . هذا سؤال آخر .

                وتقريره : أن تعيين الحكم يجوز قطعا أن يتضمن مصلحة للمكلفين ، وإذا جاز ذلك ، فلعل تعيين الحكم تضمن مصلحة لهم ، فتعين لتحصيلها .

                قوله : " قلنا " ، أي : الجواب عن هذا أنه معارض بمثله ، وهو أن عدم [ ص: 609 ] تعيين الحكم يجوز قطعا أن يتضمن مصلحة لهم ، فلذلك لم يتعين تحصيلا لتلك المصلحة ، " فما المرجح " لتعيينه على عدمه ، مع استوائهما في جواز تضمنهما للمصلحة ؟

                " قالوا " يعني القائل بتعيين الحكم : " الدليل يستدعي مدلولا قطعيا " والشرع قد أمر المجتهدين بالاستدلال ، فلو لم يكن هناك مدلول ، لتجرد الدليل عن المدلول وهو محال ، لأن الدليل والمدلول من الإضافيات التي يستلزم بعضها بعضا ، كالأب وابنه ، والأخ وأخيه .

                " قلنا " : أي : الجواب عما ذكرتم أن كون الدليل يستدعي مدلولا مسلم ، لكن المدلول أعم من أن يكون معينا ، أو غير معين ، فإن أردتم به يستدعي مدلولا معينا ، فهو محل النزاع وهو ممنوع ، وإن أردتم أن يستدعي مدلولا مطلقا ، فهو مسلم ، وهو ما ذكرناه من الأشبه ، ولا يلزم التعيين .

                قوله : " فإن قيل " ، إلى آخره . هذا سؤال آخر ، وتقريره : أن " الأحكام القياسية " أي : الثابتة بالقياس والاجتهاد " محمولة على النصية " ، أي الثابتة بالنصوص ، ثم إن الأحكام " النصية معينة " ، إذ لا معنى للنص على الحكم إلا الكشف عن حقيقته ، ليتجه التكليف به ، " فكذا القياسية " يجب أن تكون معينة .

                قوله : " قلنا " ، أي : الجواب عما ذكرتم أنه " قياس ظني " ، لأنكم قستم الأحكام القياسية في التعيين ، على الأحكام النصية فيه ، " وما ذكرناه " من الدليل على عدم التعيين " أظهر " ، وقد سبق تقريره ، والعمل بأظهر الدليلين وأقواهما متعين .




                الخدمات العلمية