الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 86 ] المسألة السادسة

              كل من كلف بمصالح نفسه فليس على غيره القيام بمصالحه مع الاختيار والدليل على ذلك أوجه :

              أحدها : أن المصالح إما دينية أخروية ، وإما دنيوية ، أما الدينية ، فلا سبيل إلى قيام الغير مقامه فيها حسبما تقدم وليس الكلام هنا فيها; إذ لا ينوب فيها أحد عن أحد ، وإنما النظر في الدنيوية التي تصح النيابة فيها ، فإذا فرضنا أنه مكلف بها ، فقد تعينت عليه ، وإذا تعينت عليه سقطت عن الغير بحكم التعيين فلم يكن غيره مكلفا بها أصلا .

              والثاني : أنه لو كان الغير مكلفا بها أيضا لما كانت متعينة على هذا المكلف ولا كان مطلوبا بها ألبتة; لأن المقصود حصول المصلحة ، أو درء المفسدة ، وقد قام بها الغير بحكم التكليف فلزم أن لا يكون هو مكلفا بها وقد فرضناه مكلفا بها على التعيين ، هذا خلف لا يصح .

              والثالث : أنه لو كان الغير مكلفا بها فإما على التعيين ، وإما على الكفاية ، وعلى كل تقدير فغير صحيح ، أما كونه على التعيين فكما تقدم ، وأما على الكفاية فالفرض أنه على المكلف عينا لا كفاية فيلزم أن يكون واجبا عليه عينا غير واجب عليه عينا في حالة واحدة ، وهو محال [ ص: 87 ] اللهم إلا أن تلحقه ضرورة ، فإنه عند ذلك ساقط عنه التكليف بتلك المصالح ، أو ببعضها مع اضطراره إليها فيجب على الغير القيام بها ولذلك شرعت الزكاة والصدقة والإقراض والتعاون ، وغسل الموتى ، ودفنهم والقيام على الأطفال والمجانين والنظر في مصالحهم ، وما أشبه ذلك من المصالح التي لا يقدر المحتاج إليها على استجلابها والمفاسد التي لا يقدر على استدفاعها ، فعلى هذا يقال : كل من لم يكلف بمصالح نفسه فعلى غيره القيام بمصالحه بحيث لا يلحق ذلك الغير ضرر ، فالعبد لما استغرقت منافعه مصالح سيده كان سيده مطلوبا بالقيام بمصالحه ، والزوجة كذلك صيرها الشارع للزوج كالأسير تحت يده فهو قد ملك منافعها الباطنة من جهة الاستمتاع والظاهرة من جهة القيام على ولده ، وبيته فكان مكلفا بالقيام عليها فقال الله تعالى الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] الآية .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية