الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              افتقرنا إلى بيان أن الشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف ، وليس بجزء ، والمستند فيه الاستقراء في الشروط الشرعية ; ألا ترى أن الحول هو المكمل لحكمة حصول النصاب وهي الغنى ; فإنه إذا ملك فقط لم يستقر عليه حكمه إلا بالتمكن من الانتفاع به في وجوه المصالح ; فجعل الشارع الحول مناطا لهذا التمكن الذي ظهر به وجه الغنى ، والحنث في اليمين مكمل [ ص: 414 ] لمقتضاها ; فإنها لم يجعل لها كفارة إلا وفي الإقدام عليها جناية ما على اسم الله ، وإن اختلفوا في تقريرها ، فعلى كل تقدير لا يتحقق مقتضى الجناية إلا عند الحنث ، فعند ذلك كمل مقتضى اليمين ، والزهوق أيضا مكمل لمقتضى إنفاذ المقاتل الموجب للقصاص أو الدية ، ومكمل لتقرر حقوق الورثة في مال المريض مرضا مخوفا ، والإحصان مكمل لمقتضى جناية الزنى الموجبة للرجم ، وهكذا سائر الشروط الشرعية مع مشروطاتها .

              وربما يشكل هذا التقرير بما يذكر من أن العقل شرط التكليف ، والإيمان شرط في صحة العبادات والتقربات ; فإن العقل إن لم يكن فالتكليف محال عقلا أو سمعا كتكليف العجماوات ، والجمادات فكيف يقال : إنه مكمل ، بل هو العمدة في صحة التكليف ، وكذلك لا يصح أن يقال : إن الإيمان مكمل للعبادات ; فإن عبادة الكافر لا حقيقة لها يصح أن يكملها الإيمان ، وكثير من هذا .

              ويرتفع هذا الإشكال بأمرين :

              أحدهما : أن هذا من الشروط العقلية لا الشرعية ، وكلامنا في الشروط الشرعية .

              [ ص: 415 ] والثاني : أن العقل في الحقيقة شرط مكمل لمحل التكليف وهو الإنسان لا في نفس التكليف ، ومعلوم أنه بالنسبة إلى الإنسان مكمل ، وأما الإيمان فلا نسلم أنه شرط لأن العبادات مبنية عليه ; ألا ترى أن معنى العبادات التوجه إلى المعبود بالخضوع والتعظيم بالقلب والجوارح ؟ وهذا فرع الإيمان ; فكيف يكون أصل الشيء ، وقاعدته التي ينبني عليها شرطا فيه ؟ هذا غير معقول ، ومن أطلق هنا لفظ الشرط ; فعلى التوسع في العبارة .

              وأيضا ; فإن سلم في الإيمان أنه شرط ; ففي المكلف لا في التكليف ، ويكون شرط صحة عند بعض ، وشرط وجوب عند بعض ، فيما عدا التكليف بالإيمان حسبما ذكره الأصوليون في مسألة خطاب الكفار بالفروع .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية