الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] مقدمة المؤلف

قال الشيخ - رحمه الله - :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تكون للنجاة وسيلة ، ولرفع الدرجات كفيلة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي بعثه وطرق ( وحال ) الإيمان قد عفت آثارها ، وخبت أنوارها ، ووهنت أركانها ، وجهل مكانها ، فشيد صلوات الله عليه وسلامه من معالمها ما عفا ، وشفى من العليل في تأييد كلمة التوحيد من كان على شفا ، وأوضح سبيل الهداية ، لمن أراد أن يسلكها ، وأظهر كنوز السعادة لمن قصد أن يملكها . أما بعد فإن التمسك بهديه لا يستتب إلا بالاقتفاء لما صدر من مشكاته ، والاعتصام بحبل الله لا يتم إلا ببيان كشفه ، وكان ( كتاب المصابيح ) ، الذي صنفه الإمام محيي السنة ، قامع البدعة ، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ، رفع الله درجته أجمع كتاب صنف في بابه ، وأضبط لشوارد الأحاديث ، وأوابدها ، ولما سلك - رضي الله عنه - الاختصار ، وحذف الأسانيد ; تكلم فيه بعض النقاد ، وإن كان نقله - وإنه من الثقات - كالإسناد ، لكن ليس ما فيه أعلام كالأغفال ، فاستخرت الله تعالى ، واستوفقت منه فأودعت كل حديث منه في مقره فأعلمت ما أغفله ، كما رواه الأئمة المتقنون ، والثقات الراسخون مثل أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ، وأبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي . وأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، وأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وأبي عيسى بن محمد الترمذي ، وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، وأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني ، وأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، وأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني ، وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، وأبي الحسن رزين بن معاوية العبدري ، وغيرهم ، وقليل ما هو .

وإني إذا نسبت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنهم قد فرغوا منه ، وأغنونا عنه .

وسردت الكتب ، والأبواب كما سردها ، واقتفيت أثره فيها ، وقسمت كل باب غالبا على فصول ثلاثة : أولها : ما أخرجه الشيخان ، أو أحدهما ، واكتفيت بهما ، وإن اشترك فيه الغير ; لعلو درجتهما في الرواية .

وثانيها : ما أورده غيرهما من الأئمة المذكورين . وثالثها : ما اشتمل على معنى الباب من ملحقات مناسبة مع محافظة على الشريطة ، وإن كان مأثورا عن السلف ، والخلف . ثم إنك إن فقدت حديثا في باب ، فذلك عن تكرير أسقطه . وإن وجدت آخر بعضه متروكا على اختصاره ، أو مضموما إليه تمامه فعن داعي اهتمام أتركه ، وألحقه . وإن عثرت على اختلاف في الفصلين من ذكر غير الشيخين في الأول ، وذكرهما في الثاني فاعلم أني بعد تتبعي كتابي : ( الجمع بين الصحيحين ) للحميدي ، و ( جامع الأصول ) اعتمدت على صحيحي الشيخين ، ومتنيهما .

وإن رأيت اختلافا في نفس الحديث فذلك من تشعب طرق الأحاديث ، ولعلي ما اطلعت على تلك الرواية التي سلكها الشيخ - رضي الله عنه - وقليلا ما تجد أقول : ما وجدت هذه الرواية في كتب الأصول ، أو وجدت خلافها فيها .

فإذا ، وقفت عليه فانسب القصور إلي لقلة الدراية ، لا إلى جناب الشيخ رفع الله قدره في الدارين ، حاشا لله من ذلك ! . رحم الله من إذا وقف على ذلك نبهنا عليه ، وأرشدنا طريق الصواب . ولم آل جهدا في التنقير ، والتفتيش بقدر الوسع والطاقة ، ونقلت ذلك الاختلاف كما وجدت . وما أشار إليه رضي الله عنه من غريب أو ضعيف ، أو غيرهما بينت وجهه غالبا . وما لم يشر إليه مما في الأصول فقد قفيته في تركه ، إلا في مواضع لغرض ، وربما تجد مواضع مهملة ، وذلك حيث لم أطلع على راويه فتركت البياض . فإن عثرت عليه فألحقه به ، أحسن الله جزاءك . وسميت الكتاب بـ ( مشكاة المصابيح ) ، وأسأل الله التوفيق ، والإعانة ، والهداية ، والصيانة ، وتيسير ما أقصده ، وأن ينفعني في الحياة ، وبعد الممات ، وجميع المسلمين ، والمسلمات . حسبي الله ونعم الوكيل . ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية