الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 39 ] بسم الله الرحمن الرحيم .

مقدمة المؤلف .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

قال الشيخ الإمام العالم العلامة ، الحبر البحر الفهامة ، المحقق المدقق الحجة الحافظ المجتهد شيخ الإسلام والمسلمين ، وارث علوم سيد المرسلين ، جلال الدين ، أوحد المجتهدين ، أبو الفضل عبد الرحمن ابن سيدنا الشيخ المرحوم كمال الدين ، عالم المسلمين أبو المناقب أبو بكر السيوطي الشافعي :

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، تبصرة لأولي الألباب ، وأودعه من فنون العلوم والحكم العجب العجاب ، وجعله أجل الكتب قدرا ، وأغزرها علما ، وأعذبها نظما وأبلغها في الخطاب : قرءانا عربيا غير ذي عوج ولا مخلوق ، ولا شبهة فيه ولا ارتياب .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب ، الذي عنت لقيوميته الوجود ، وخضعت لعظمته الرقاب .

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث من أكرم الشعوب وأشرف الشعاب ، إلى خير أمة بأفضل كتاب ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الأنجاب ، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم المآب .

وبعد ، فإن العلم بحر زخار ، لا يدرك له من قرار . وطود شامخ لا يسلك إلى قنته ولا يصار ، من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولا ، ومن رام الوصول إلى إحصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا ، كيف وقد قال - تعالى - مخاطبا لخلقه : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء : 85 ] .

وإن كتابنا القرآن لهو مفجر العلوم ومنبعها ، ودائرة شمسها ومطلعها ، أودع فيه - سبحانه وتعالى - علم كل شيء ، وأبان به كل هدي وغي ، فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد :

فالفقيه يستنبط منه الأحكام ، ويستخرج حكم الحلال والحرام .

والنحوي يبني منه قواعد إعرابه ، ويرجع إليه في معرفة خطأ القول من صوابه .

والبياني يهتدي به إلى حسن النظام ، ويعتبر مسالك البلاغة في صوغ الكلام .

[ ص: 40 ] وفيه من القصص والأخبار ما يذكر أولي الأبصار ، ومن المواعظ والأمثال ما يزدجر به أولو الفكر والاعتبار ، إلى غير ذلك من علوم لا يقدر قدرها إلا من علم حصرها .

هذا مع فصاحة لفظ وبلاغة أسلوب ، تبهر العقول وتسلب القلوب . وإعجاز نظم لا يقدر عليه إلا علام الغيوب .

ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن ، كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث ، فسمعت شيخنا أستاذ الأستاذين ، وإنسان عين الناظرين ، خلاصة الوجود علامة الزمان ، فخر العصر وعين الأوان أبا عبد الله محيي الدين الكافيجي - مد الله في أجله ، وأسبغ عليه ظله - يقول : قد دونت في علوم التفسير كتابا لم أسبق إليه .

فكتبته عنه فإذا هو صغير الحجم جدا ، وحاصل ما فيه بابان :

الأول : في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة والآية .

والثاني : في شروط القول فيه بالرأي .

وبعدهما خاتمة في آداب العالم والمتعلم .

فلم يشف لي ذلك غليلا ، ولم يهدني إلى المقصود سبيلا .

ثم أوقفني شيخنا شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة وخلاصة الأنام حامل لواء المذهب المطلبي علم الدين البلقيني - رحمه الله تعالى - على كتاب في ذلك لأخيه قاضي القضاة جلال الدين . سماه " مواقع العلوم من مواقع النجوم " فرأيته تأليفا لطيفا ، ومجموعا ظريفا ، [ ص: 41 ] ذا ترتيب وتقرير ، وتنويع وتحبير ، قال في خطبته :

قد اشتهرت عن الإمام الشافعي - رضي الله عنه - مخاطبة لبعض خلفاء بني العباس ، فيها ذكر بعض أنواع القرآن يحصل منها لمقصدنا اقتباس . وقد صنف في علوم الحديث جماعة في القديم والحديث ، وتلك الأنواع في سنده دون متنه ، أو في مسنديه وأهل فنه ، وأنواع القرآن شاملة وعلومه كاملة . فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إلى علمي ، مما حواه القرآن الشريف ، من أنواع علمه المنيف ، وينحصر في أمور :

الأول : مواطن النزول وأوقاته ووقائعه ، وفي ذلك اثنا عشر : المكي ، المدني ، السفري ، الحضري ، الليلي ، النهاري ، الصيفي ، الشتائي ، الفراشي ، والنومي ، أسباب النزول ، أول ما نزل ، آخر ما نزل .

الأمر الثاني : السند ، وهو ستة أنواع : المتواتر ، الآحاد ، الشاذ ، قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم - الرواة ، الحفاظ .

الأمر الثالث : الأداء ، وهو ستة أنواع : الوقف ، الابتداء ، الإمالة ، المد ، تخفيف الهمزة ، الإدغام .

الأمر الرابع : الألفاظ ، وهو سبعة أنواع : الغريب ، المعرب ، المجاز ، المشترك ، المترادف ، الاستعارة ، التشبيه .

الأمر الخامس : المعاني المتعلقة بالأحكام ، وهو أربعة عشر نوعا : العام الباقي على عمومه ، العام المخصوص ، العام الذي أريد به الخصوص ، ما خص فيه الكتاب السنة ، ما خصت فيه السنة الكتاب ، المجمل ، المبين ، المئول ، المفهوم ، المطلق ، المقيد ، الناسخ والمنسوخ ، نوع من الناسخ والمنسوخ ، وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين .

الأمر السادس : المعاني المتعلقة بألفاظ ، وهو خمسة أنواع : الفصل ، الوصل ، الإيجاب ، الإطناب ، القصر .

وبذلك تكملت الأنواع خمسين . ومن الأنواع ما لا يدخل تحت الحصر : الأسماء ، الكنى ، الألقاب ، المبهمات .

فهذا نهاية ما حصر من الأنواع .

[ ص: 42 ] هذا آخر ما ذكره القاضي جلال الدين في الخطبة ، ثم تكلم في كل نوع منها بكلام مختصر يحتاج إلى تحرير وتتمات وزوائد مهمات . فصنفت في ذلك كتابا سميته : " التحبير في علوم التفسير " ضمنته ما ذكره البلقيني من الأنواع مع زيادة مثلها ، وأضفت إليه فوائد سمحت القريحة بنقلها ، وقلت في خطبته :

أما بعد : فإن العلوم وإن كثر عددها ، وانتشر في الخافقين مددها ، فغايتها بحر قعره لا يدرك ، ونهايتها طود شامخ لا يستطاع إلى ذروته أن يسلك ، وهذا يفتح لعالم بعد آخر من الأبواب ما لم يتطرق إليه من المتقدمين الأسباب .

وإن مما أهمل المتقدمون في تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة ، علم التفسير الذي هو كمصطلح الحديث ، فلم يدونه أحد لا في القديم ولا في الحديث ، حتى جاء شيخ الإسلام وعمدة الأنام ، علامة العصر ، قاضي القضاة جلال الدين البلقيني - رحمه الله تعالى - فعمل في كتابه : " مواقع العلوم من مواقع النجوم " . فنقحه وهذبه ، وقسم أنواعه ورتبه ، ولم يسبق إلى هذه المرتبة ، فإنه جعله نيفا وخمسين نوعا منقسمة إلى ستة أقسام ، وتكلم في كل نوع منها بالمتين من الكلام ، فكان كما قال الإمام أبو السعادات بن الأثير في مقدمة نهايته : كل مبتدئ بشيء لم يسبق إليه ، ومبتدع أمر لم يتقدم فيه عليه ، فإنه يكون قليلا ثم يكثر وصغيرا ثم يكبر .

فظهر لي استخراج أنواع لم يسبق إليها ، وزيادات مهمات لم يستوف الكلام عليها ، فجرت الهمة إلى وضع كتاب في هذا العلم ، وأجمع به - إن شاء الله تعالى - شوارده ، وأضم إليه فوائده ، وأنظم في سلكه فرائده لأكون في إيجاد هذا العلم ثاني اثنين ، وواحدا في جمع الشتيت منه كألف أو كألفين ، ومصيرا فني التفسير والحديث في استكمال التقاسيم إلفين وإذ برز نور كمامه وفاح ، وطلع بدر كماله ولاح ، وأذن فجره بالصباح ، ونادى داعيه بالفلاح ، سميته ب " التحبير في علوم التفسير " . وهذه فهرست الأنواع بعد المقدمة :

[ ص: 43 ] النوع الأول والثاني : المكي والمدني .

والثالث والرابع : الحضري والسفري .

الخامس والسادس : النهاري والليلي .

السابع والثامن : الصيفي والشتائي .

التاسع والعاشر : الفراشي والنومي .

الحادي عشر : أسباب النزول .

الثاني عشر : أول ما نزل .

الثالث عشر : آخر ما نزل .

الرابع عشر : ما عرف وقت نزوله .

الخامس عشر : ما أنزل فيه ولم ينزل على أحد من الأنبياء .

السادس عشر : ما أنزل منه على الأنبياء .

السابع عشر : ما تكرر نزوله .

الثامن عشر : ما نزل مفرقا

التاسع عشر : ما نزل جمعا .

العشرون : كيفية إنزاله .

الحادي والعشرون : المتواتر .

الثاني والعشرون : الآحاد .

الثالث والعشرون : الشاذ .

الرابع والعشرون : قراءات النبي - صلى الله عليه وسلم - .

الخامس والسادس والعشرون : الرواة والحفاظ .

السابع والعشرون : كيفية التحمل .

الثامن والعشرون : العالي والنازل .

التاسع والعشرون : المسلسل .

الثلاثون : الابتداء

الحادي والثلاثون : الوقف .

الثاني والثلاثون : الإمالة .

الثالث والثلاثون : المد .

الرابع والثلاثون : تخفيف الهمزة .

الخامس والثلاثون : الإدغام .

السادس والثلاثون : الإخفاء .

[ ص: 44 ] السابع والثلاثون : الإقلاب .

الثامن والثلاثون : مخارج الحروف .

التاسع والثلاثون : الغريب .

الأربعون : المعرب .

الحادي والأربعون : المجاز .

الثاني والأربعون : المشترك .

الثالث والأربعون : المترادف

الرابع والخامس والأربعون : المحكم والمتشابه .

السادس والأربعون : المشكل .

السابع والثامن والأربعون : المجمل والمبين .

التاسع والأربعون : الاستعارة .

الخمسون : التشبيه .

الحادي والخمسون : الكناية والتعريض .

الثالث والخمسون : العام الباقي على عمومه .

الرابع والخمسون : العام المخصوص .

الخامس والخمسون : العام الذي أريد به الخصوص .

السادس والخمسون : ما خص فيه الكتاب السنة .

السابع والخمسون : ما خصت فيه السنة الكتاب .

الثامن والخمسون : المئول .

التاسع والخمسون : المفهوم .

الستون والحادي والستون : المطلق والمقيد .

الثاني والثالث والستون الناسخ والمنسوخ .

الرابع والستون : ما عمل به واحد ، ثم نسخ .

الخامس والستون : ما كان واجبا على واحد .

السادس والسابع والثامن والستون : الإيجاز والإطناب والمساواة .

التاسع والستون : الأشباه .

السبعون والحادي والسبعون : الفصل والوصل .

الثاني والسبعون : القصر .

الثالث والسبعون : الاحتباك .

الرابع والسبعون : القول بالموجب .

[ ص: 45 ] الخامس والسادس والسبعون : المطابقة والمناسبة والمجانسة .

الثامن والتاسع والسبعون : التورية والاستخدام .

الثمانون : اللف والنشر .

الحادي والثمانون : الالتفات .

الثاني والثمانون : الفواصل والغايات .

الثالث والرابع والخامس والثمانون : أفضل القرآن وفاضله ومفضوله .

السادس والثمانون : مفردات القرآن .

السابع والثمانون : الأمثال .

الثامن والتاسع والثمانون : آداب القارئ والمقرئ .

التسعون آداب المفسر .

الحادي والتسعون : من يقبل تفسيره ومن يرد .

الثاني والتسعون : غرائب التفسير .

الثالث والتسعون : معرفة المفسرين .

الرابع والتسعون : كتابة القرآن .

الخامس والتسعون : تسمية السور .

السادس والتسعون : ترتيب الآي والسور .

السابع والثامن والتاسع والتسعون : الأسماء والكنى والألقاب .

المائة : المبهمات .

الأول بعد المائة : أسماء من نزل فيهم القرآن .

الثاني بعد المائة : التاريخ .

وهذا آخر ما ذكرته في خطبة " التحبير " . وقد تم هذا الكتاب - ولله الحمد - من سنة اثنتين وسبعين ، وكتبه من هو في طبقة أشياخي من أولي التحقيق .

ثم خطر بعد ذلك أن أؤلف كتابا مبسوطا ، ومجموعا مضبوطا ، أسلك فيه طريق الإحصاء ، وأمشي فيه على منهاج الاستقصاء . هذا كله وأنا أظن أني متفرد بذلك ، غير مسبوق بالخوض في هذه المسالك ، فبينا أنا أجيل في ذلك فكرا ، أقدم رجلا وأؤخر أخرى ، إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي ، أحد متأخري أصحابنا الشافعيين ، [ ص: 46 ] ألف كتابا في ذلك حافلا ، يسمى " البرهان في علوم القرآن " ، فتطلبته حتى وقفت عليه ، فوجدته ، قال في خطبته :

لما كانت علوم القرآن لا تحصى ، ومعانيها لا تستقصى ، وجبت العناية بالقدر الممكن . ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه ، كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث ; فاستخرت الله تعالى - وله الحمد - في وضع كتاب في ذلك ، جامع لما تكلم الناس في فنونه ، وخاضوا في نكته وعيونه ، وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما بهر القلوب عجبا ، ليكون مفتاحا لأبوابه ، عنوانا في كتابه ، معينا للمفسر على حقائقه ، مطلعا على بعض أسراره ودقائقه ، وسميته " البرهان في علوم القرآن " وهذه فهرست أنواعه :

النوع الأول : معرفة سبب النزول .

الثاني : معرفة المناسبات بين الآيات .

الثالث : معرفة الفواصل .

الرابع : معرفة الوجوه والنظائر .

الخامس : علم المتشابه .

السادس : علم المبهمات .

السابع : في أسرار الفواتح .

الثامن : في خواتم السور .

التاسع : في معرفة المكي والمدني .

العاشر : في معرفة أول ما نزل .

الحادي عشر : معرفة على كم لغة نزل .

الثاني عشر : في كيفية إنزاله .

الثالث عشر : بيان جمعه ، ومن حفظه من الصحابة .

الرابع عشر : معرفة تقسيمه .

الخامس عشر : معرفة أسمائه .

السادس عشر : معرفة ما وقع فيه من غير لغة الحجاز .

السابع عشر : معرفة ما فيه من غير لغة العرب .

الثامن عشر : معرفة غريبه .

[ ص: 47 ] التاسع عشر : معرفة التصريف .

العشرون : معرفة الأحكام .

الحادي والعشرون : معرفة كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح

الثاني والعشرون : معرفة اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص .

الثالث والعشرون : معرفة توجيه القرآن .

الرابع والعشرون : معرفة الوقف .

الخامس والعشرون : علم مرسوم الخط .

السادس والعشرون معرفة فضائله .

السابع والعشرون : معرفة خواصه .

الثامن والعشرون : هل في القرآن شيء أفضل من شيء ؟ .

التاسع والعشرون : في آداب تلاوته .

الثلاثون : في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض آيات القرآن ؟ .

الحادي والثلاثون : معرفة الأمثال الكامنة فيه .

الثاني والثلاثون : معرفة أحكامه .

الثالث والثلاثون : معرفة جدله .

الرابع والثلاثون : معرفة ناسخه ومنسوخه .

الخامس والثلاثون : معرفة موهم المختلف .

السادس والثلاثون : معرفة المحكم من المتشابه .

السابع والثلاثون : في حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات .

الثامن والثلاثون : معرفة إعجازه .

التاسع والثلاثون : معرفة وجوب متواتره .

الأربعون : في بيان معاضدة السنة والكتاب .

الحادي والأربعون : معرفة تفسيره .

الثاني والأربعون : معرفة وجوه المخاطبات

الثالث والأربعون : بيان حقيقته ومجازه .

الرابع والأربعون : في الكنايات والتعريض .

الخامس والأربعون : في أقسام معنى الكلام .

السادس والأربعون : في ذكر ما تيسر من أساليب القرآن .

السابع والأربعون : في معرفة الأدوات .

[ ص: 48 ] واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره ، ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله ، والرمز إلى بعض فصوله ; فإن الصناعة طويلة والعمر قصير ، وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير .

هذا آخر كلام الزركشي في خطبته .

ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سرورا ، وحمدت الله كثيرا ، وقوي العزم على إبراز ما أضمرته ، وشددت الحزم في إنشاء التصنيف الذي قصدته ، فوضعت هذا الكتاب العلي الشأن ، الجلي البرهان ، الكثير الفوائد والإتقان ، ورتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان ، وأدمجت بعض الأنواع في بعض ، وفصلت ما حقه أن يبان ، وزدته على ما فيه من الفوائد والفرائد ، والقواعد والشوارد ، ما يشنف الآذان ، وسميته : " الإتقان في علوم القرآن " . وسترى في كل نوع منه - إن شاء الله تعالى - ما يصلح أن يكون بالتصنيف مفردا ، وستروى من مناهله العذبة ريا لا ظمأ بعده أبدا . وقد جعلته مقدمة للتفسير الكبير الذي شرعت فيه . وسميته ب " مجمع البحرين ، ومطلع البدرين ، الجامع لتحرير الرواية ، وتقرير الدراية " .

التالي السابق


الخدمات العلمية