الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم [ ص: 5 - 6 ] الحمد لله الذي أعلى معالم العلم وأعلامه ، [ ص: 7 ] وأظهر شعائر الشرع وأحكامه ، [ ص: 8 ] وبعث رسلا وأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين إلى سبل الحق هادين ، وأخلفهم علماء إلى سنن سننهم داعين ، يسلكون فيما لم يؤثر عنهم مسلك الاجتهاد ، [ ص: 9 ] مسترشدين منه في ذلك وهو ولي الإرشاد ، وخص أوائل المستنبطين بالتوفيق حتى وضعوا مسائل من كل جلي ودقيق غير أن الحوادث متعاقبة الوقوع ، والنوازل يضيق عنها نطاق الموضوع ، واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد ، والاعتبار بالأمثال من صنعة الرجال ، وبالوقوف على المأخوذ يعض عليها بالنواجذ ، وقد جرى على الوعد في مبدإ بداية المبتدي أن أشرحها بتوفيق الله تعالى شرحا أرسمه بكفاية المنتهي ، فشرعت فيه [ ص: 10 ] والوعد يسوغ بعض المساغ ، وحين أكاد أتكي عنه اتكاء الفراغ ، تبينت فيه نبذا من الإطناب وخشيت أن يهجر لأجله الكتاب ، فصرفت العنان والعناية إلى شرح آخر موسوم بالهداية ، أجمع فيه بتوفيق الله تعالى بين عيون الرواية ومتون الدراية ، تاركا للزوائد في كل باب ، معرضا عن هذا النوع من الإسهاب ، مع ما أنه يشتمل على أصول ينسحب عليها فصول ، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامها ، ويختم لي بالسعادة بعد اختتامها ، [ ص: 11 ] حتى إن من سمت همته إلى مزيد الوقوف يرغب في الأطول والأكبر ، ومن أعجله الوقت عنه يقتصر على الأقصر والأصغر . وللناس فيما يعشقون مذاهب والفن خير كله .

ثم سألني بعض إخواني أن أملي عليهم المجموع الثاني ، فافتتحته مستعينا بالله تعالى في تحرير ما أقاوله متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله ، إنه الميسر لكل عسير وهو على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

[ ص: 5 ]

التالي السابق


[ ص: 5 ] الحمد الله رب العالمين على ما ألهم وعلم من العلم ما لم نعلم ، [ ص: 6 ] والصلاة والسلام على خير خلقه محمد [ ص: 7 ] النبي الأكرم ، المبعوث إلى سائر الأمم بالشرع الأقوم والمنهج الأحكم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم [ وبعد ] فهذا تعليق على كتاب الهداية للإمام العلامة برهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني [ ص: 8 ] شيخ الإسلام ، أسكنه الله برحمته دار السلام ، شرعت في كتابته في شهور سنة تسع وعشرين وثمانمائة عند الشروع في إقرائه لبعض الإخوان ، أرجو من كرم الله سبحانه أن يهديني فيه صواب الصواب ، [ ص: 9 ] وأن يجمع فيه أشتات ما تفرق من لب اللباب ، ليكون عدة لطالبي الرواية ، ومرجعا لصارفي العناية في طلب الهداية ، وإياه سبحانه أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وموجبا لرضاه الموصل إلى جنات النعيم . هذا ، وإنى كنت قرأت تمام الكتاب سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة على وجه الإتقان والتحقيق على سيدي الشيخ الإمام بقية المجتهدين وخلف الحفاظ المتقنين سراج الدين عمر بن علي الكناني الشهير بقارئ الهداية ، تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته ، وهو قرأه على مشايخ عظام من جملتهم الشيخ الإمام شيخ الإسلام علاء الدين السيرامي ، وهو [ ص: 10 ] عن شيخه السيد الإمام جلال الدين شارح الكتاب ، وهو عن شيخه قدوة الأنام ، بقية المجتهدين علاء الدين عبد العزيز النجاري صاحب الكشف والتحقيق ، وهو عن الشيخ الكبير أستاذ العلماء حافظ الدين النسفي ، وهو عن شيخه [ ص: 11 ] الإمام شمس الدين محمد بن علي بن عبد الستار بن محمد الكردري ، وهو عن شيخه شيخ مشايخ الإسلام حجة الله تعالى على الأنام المخصوص بالعناية صاحب الهداية ، فهذا طريق العبد الضعيف في هذا الكتاب ، وقرأته قبله من أوله إلى فصل الوكالة بالنكاح أو نحوه على قاضي القضاة جمال الدين الحميدي بالإسكندرية ، وبها قرأت بعضه أيضا على الشيخ زين الدين المعروف بالإسكندري الحنفي بقية المجتهدين والمحققين تغمدهم الله برحمته أجمعين .

[ ص: 12 ] ولما جاء بفضل الله ورحمته أكبر من قدري بما لا ينتسب بنسبة ، علمت أنه من فتح جود القادر على كل شيء ، فسميته ولله المنة [ فتح القدير ] للعاجز الفقير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .




الخدمات العلمية