الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ أقسام الدليل ] وينقسم الدليل إلى ثلاثة أقسام : سمعي وعقلي ووضعي . فالسمعي : هو اللفظي المسموع ، وفي عرف الفقهاء : هو الدليل الشرعي . أعني الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والاستدلال . وأما عرف المتكلمين ، فإنهم إذا أطلقوا الدليل السمعي ، فلا يريدون به غير الكتاب ، والسنة ، والإجماع قاله الآمدي " في " الأبكار " . الثاني : العقلي : وهو ما دل على المطلوب بنفسه من غير احتياج إلى وضع ، كدلالة الحدوث على المحدث ، والإحكام على العالم . الثالث : الوضعي : وهو ما دل بقضية استناده ، ومنه العبارات الدالة على المعاني في اللغات . قال : وألحق به المحققون المعجزات الدالة على صدق الأنبياء ، وتبعه ابن القشيري ، وقال ما دل عقلا لا يتبدل ، وما دل وضعا يجوز أن يتبدل . لكن الإمام في الإرشاد " اختار أن دلالتها عقلية [ ص: 55 ] وهو قول الأستاذ أبي إسحاق ، وسيأتي عن ابن القطان أيضا .

                                                      وقال الآمدي في " الأبكار " : الذي ذهب إليه شيخنا والقاضي والمحققون : أن دلالة المعجزة على صدق الرسول ليست دلالة عقلية ولا سمعية . أما الأول : فلأن ما يدل عقلا يدل بنفسه ، ويرتبط بمدلوله لذاته ، ولا يجوز تقديم غيره ، وقد تقع الخوارق عند تصرم الدنيا مع عدم دلالتها على تصديق مدعي النبوة ، فإنه لا إرسال ، ولا رسول إذ ذاك . وأما الثاني : فلأن الدلالة السمعية متوقفة على صدقه فلو توقف صدق الرسول عليها لكان دورا ، بل دلالتها على صدقه غير خارج عن الدلالات الوضعية النازلة منزلة التصديق ، فكانت نازلة من الله منزلة قوله : صدق .

                                                      ثم العقلي ينقسم إلى ما يقتضي القطع كالأدلة في أصول العقائد ، وإلى ما لا يقتضيه ، وكذلك ينقسم إلى ما يقتضي القطع ، وهو يتضمن العلم ، وإلى ما لا يقتضيه ، كأخبار الآحاد والمقايس السمعية . فكما لا يوصف باقتضاء العلم لا يوصف باقتضاء غلبة الظن . قال : وهذا مما يزل فيه معظم الفقهاء ، ولكن جرت العادة بحصول الظن في أثرها من غير تضمنها . ويتنوع العقلي إلى استقرائي ، وتمثيلي ، واقتراني ، واستثنائي متصل أو منفصل ، ويتألف المتصل من المتلازمات ، والمنفصل من المتضادات ، ونوعها الأصحاب أربعة : بناء الغائب على الشاهد : وإنتاج المقدمات النتائج ، والسبر والتقسيم ، والاستدلال بالمتفق عليه على المختلف فيه . [ ص: 56 ] ونازع ابن القشيري في الأول . وقال : عندنا لا أصل لبناء الغائب على الشاهد وأن الحكم به باطل ، وإن قام دليل على المطلوب في الغائب فهو المقصود ، ولا أثر لذلك الشاهد ، وإلا فذكر الشاهد لا معنى له ، وليس في المعقولات قياس . قال : وكذا قياس المختلف فيه على المتفق عليه باطل ; لأنه لا قياس في المعقولات ، وستأتي هذه المسألة في كتاب القياس إن شاء الله تعالى .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية