الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فصل

                                                          وأما السبب المعنوي فهو قصد المبالغة في النفي ، وهو سبب قوي مقصور عند العرب ، وإن كان أضعف من السبب اللفظي عند القراء ، ومنه مد التعظيم في نحو ( لا إله إلا الله ) ، ( لا إله إلا هو ) ، ( لا إله إلا أنت ) ، وهو قد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى ، ونص على ذلك أبو معشر الطبري وأبو القاسم الهذلي ، وابن مهران ، والجاجاني ، وغيرهم ، وقرأت به من طريقهم ، وأختاره ، ويقال له أيضا : مد المبالغة . قال ابن مهران في " كتاب المدات " له : إنما سمي مد المبالغة ; لأنه طلب للمبالغة في نفي [ ص: 345 ] إلهية سوى الله سبحانه ، قال : وهذا معروف عند العرب ؛ لأنها تمد عند الدعاء عند الاستغاثة ، وعند المبالغة في نفي شيء ، ويمدون ما لا أصل له بهذه العلة . قال : والذي له أصل أولى وأحرى .

                                                          ( قلت ) : يشير إلى كونه اجتمع سببان ، وهما المبالغة ووجود الهمزة كما سيأتي ، والذي قاله في ذلك جيد ظاهر . وقد استحب العلماء المحققون مد الصوت بلا إله إلا الله إشعارا بما ذكرناه وبغيره . قال الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله - في " الأذكار " : ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قوله : ( لا إله إلا الله ) لما ورد من التدبر . قال : وأقوال السلف وأئمة الخلف في مد هذا مشهورة ، والله أعلم . انتهى .

                                                          ( قلت ) : روينا في ذلك حديثين مرفوعين أحدهما عن ابن عمر : من قال : ( لا إله إلا الله ) ومد بها صوته أسكنه الله دار الجلال - دارا سمى بها نفسه فقال : ذو الجلال والإكرام - ورزقه النظر إلى وجهه . والآخر عن أنس : من قال : ( لا إله إلا الله ) ومدها هدمت له أربعة آلاف ذنب ، وكلاهما ضعيفان ، ولكنهما في فضائل الأعمال . وقد ورد مد المبالغة للنفي في ( لا ) التي للتبرئة في نحو ( لا ريب فيه ) ، ( لا شية فيها ) ، ( لا مرد له ) ، ( لا جرم ) ، عن حمزة ، نص على ذلك له أبو طاهر بن سوار في " المستنير " ونص عليه أبو محمد سبط الخياط في " المبهج " من رواية خلف ، عن سليم ، عنه ، ونص عليه أبو الحسن بن فارس في كتابه الجامع ، عن محمد بن سعدان ، عن سليم ، وقال أبو الفضل الخزاعي : قرأت به أداء من طريق خلف ، وابن سعدان ، وخلاد ، وابن جبير ، ورويم بن يزيد ، كلهم عن حمزة .

                                                          ( قلت ) وقدر المد في ذلك فيما قرأنا به وسط لا يبلغ الإشباع ، وكذا نص عليه الأستاذ أبو عبد الله بن القصاع ، وذلك لضعف سببه عن سبب الهمز ، وقرأت بالمد أيضا في ( لا ريب ) فقط من كتاب " الكفاية في القراءات الست " لحفص من طريق هبيرة عنه .

                                                          ( هذا ) ما يتعلق بالمد في حروف المد مستوفى ، إذ لا يجوز زيادة في حرف من حروف المد بغير سبب من الأسباب المذكورة . وقد انفرد أبو عبد الله بن شريح في " الكافي " بمد ما كان على حرفين في فواتح السور . فحكى عن رواية [ ص: 346 ] أهل المغرب ، عن ورش أنه كان يمد ذلك كله ، واستثنى الراء من ( الر ، و المر ) والطاء والهاء من : ( طه ) .

                                                          ( قلت ) : وكأنهم نظروا إلى وجود الهمز مقدرا بحسب الأصل ، وذلك شاذ لا نأخذ به ، والله أعلم .

                                                          وقد اختلف في إلحاق حرفي اللين بهما وهما الياء والواو المفتوح ما قبلهما ، فوردت زيادة المد فيهما بسببي الهمز والسكون إذا كانا قويين . وإنما اعتبر شرط المد فيهما مع ضعفه بتغيير حركة ما قبله ; لأن فيهما شيئا من الخفاء وشيئا من المد ، وإن كانا أنقص في الرتبة مما في حروف المد ; ولذلك جاز الإدغام في نحو ( كيف فعل ) بلا عسر ، ولم ينقل الحركة إليهما في الوقف في نحو زيد وعوف من نقل في نحو بكر وعمرو ، وتعاقبا مع حروف المد في الشعر قبل حرف الروي في نحو قول الشاعر :

                                                          تصفقها الرياح إذا جرينا

                                                          مع قوله :


                                                          مخاريق بأيدي اللاعبينا

                                                          وقالوا في تصغير مدق وأصم : مديق وأصيم ، فجمعوا بين الساكنين ، وأجروهما مجرى حروف المد ; فلذلك حملا عليها وإن كانا دونها في الرتبة لقربهما منها ، وسوغ زيادة المد فيهما سببية الهمز ، وقوة اتصاله بهما في كلمة ، وقوة سببية السكون ، أما الهمز فإنه إذا وقع بعد حرفي اللين متصلا من كلمة واحدة نحو ( شيء ) كيف وقع

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية