الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون

[ ص: 205 ] الضمير في قوله تعالى: "لهم" عائد على من يعقل ممن توعد. و "الزفير": صوت المعذب، وهو كشهيق الحمير وشبهه إلا أنه من الصدر، وقوله: "لا يسمعون" قالت فرقة: معناه: لا يسمعون خيرا ولا سارا من القول، وقالت فرقة: إن عذابهم أن يجعلوا في توابيت في داخل توابيت أخر فيصيرون هنالك لا يسمعون شيئا.

ولما اعترض ابن الزبعرى بأمر عيسى بن مريم ، وعزير نزلت: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى مبينة أن هؤلاء ليسوا تحت المراد لأنهم لم يرضوا ذلك ولا دعوا إليه، و "الحسنى" يريد كلمة الرحمة والحتم بالتفضيل. و "الحسيس": الصوت، وهو بالجملة ما يتأدى إلى الحس من حركة الأجرام، وهذه صفة لهم بعد دخولهم الجنة، لأن الحديث يقتضي أن في الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبي ولا ملك إلا جثا على ركبتيه.

و "الفزع الأكبر" عام في كل هول يكون في يوم القيامة، فكأن يوم القيامة بجملته هو الفزع الأكبر، وإن خصص بشيء من ذلك فيجب أن يقصد لأعظم هوله. قالت فرقة في ذلك: هو ذبح الموت، وقالت فرقة: هو وقوع طبق جهنم على جهنم، وقالت فرقة: هو الأمر بأهل النار إلى النار، وقالت فرقة: هو وقت النفخة الآخرة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا وما قبله من الأوقات أشبه أن يكون فيها الفزع لأنها وقت لرجم الظنون وتعرض الحوادث، فأما وقت ذبح الموت ووقع طبق جهنم فوقت قد حصل فيه أهل الجنة في الجنة، فذلك فزع بين أنه لا يصيب أحدا من أهل الجنة فضلا عن الأنبياء، اللهم إلا أن يريد: لا يحزنهم الشيء الذي هو عند أهل النار فزع أكبر، فأما إن كان فزعا للجميع فلا بد مما قلنا من أنه قبل دخول الجنة.

وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى يعم كل مؤمن، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: عثمان منهم .

[ ص: 206 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

ولا مرية أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل من سعد في الآخرة.

وقوله تعالى: وتتلقاهم الملائكة يريد بالسلام عليهم والتبشير لهم، أي: هذا يومكم الذي وعدتم فيه الثواب والنعيم.

التالي السابق


الخدمات العلمية