الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون

قرأت فرقة: "نطوي" بنون العظمة، وقرأت فرقة: "يطوي السماء" بياء مفتوحة على معنى: يطوي الله، وقرأت فرقة: "تطوى" بتاء مضمومة وبرفع "السماء" على ما لم يسم فاعله.

واختلف الناس في "السجل"، فقالت فرقة: السجل: ملك يطوي الصحف، وقالت فرقة: السجل: رجل كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا كله وما شاكله ضعيف. وقالت فرقة: السجل: الصحيفة التي يكتب فيها، والمعنى: "كطي السجل" أي: كما يطوى السجل من أجل الكتاب الذي فيه، فالمصدر مضاف إلى المفعول، ويحتمل أن يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، أي: كما يطوي السجل الكتاب الذي فيه، فكأنه قال: يوم نطوي كالهيئة التي فيها طي السجل للكتاب، ففي التشبيه تجوز.

وقرأ الحسن بن أبي الحسن : "السجل" بشد السين وسكون الجيم وتخفيف اللام، وفتح أبو السمال السين فقرأها: "السجل"، وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير : "السجل" بضم السين وشدها وضم الجيم، وقرأ الجمهور : "للكتاب"، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : "للكتب".

وقوله تعالى: كما بدأنا أول خلق نعيده يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون خبرا عن البعث، أي: كما اخترعنا الخلق أولا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور، والثاني أن يكون خبرا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا، ويؤيد هذا التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس [ ص: 207 ] يوم القيامة حفاة عراة غرلا، كما بدأنا أول خلق نعيده . والكاف في قوله: "كما بدأنا" متعلقة بقوله: "نعيده"، وقوله: إنا كنا فاعلين تأكيد للأمر، بمعنى أن الأمر واجب فيه ذلك.

وقالت فرقة: "الزبور": اسم يعم جميع الكتب المنزلة؛ لأنه مأخوذ من "زبرت الكتاب": إذا كتبته، قالت فرقة: و "الذكر" أراد به اللوح المحفوظ، وقال بعضهم: الذكر الذي في السماء. وقالت فرقة: الزبور هو زبور داود عليه السلام ، والذكر أراد به التوراة، وقالت فرقة: الزبور ما بعد التوراة من الكتب، والذكر التوراة. وقرأ حمزة وحده: "الزبور" بضم الزاي.

وقالت فرقة: "الأرض" أراد بها أرض الدنيا، أي كل ما يناله المؤمنون من الأرض، وقالت فرقة: أراد أرض الجنة، واستشهدوا بقوله تبارك وتعالى: وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ، وقالت فرقة: إنما أراد بهذه الآية الإخبار عما كان صنعه مع بني إسرائيل؛ أي: فاعلموا أنا كنا وفينا لهم بما وعدناهم، فكذلك ننجز لكم ما وعدناكم من النصرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية