المسألة الرابعة : لما ذم الله تعالى
العرب على ما كانت تفعله من ذلك كان ذلك تحذيرا للأمة عن الوقوع في مثل ذلك من الباطل ، ولزمهم الانقياد إلى ما بين الله تعالى من التحليل والتحريم ، دون التعلق بما كان يلقيه إليهم الشيطان من الأباطيل .
قال
محمد بن عبد الحكم : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس : الحبس الذي جاء
محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاقها التي في كتاب الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هذا الذي كلم به
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=14954أبا يوسف عند
هارون .
وهذه إشارة إلى أن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبا يوسف خالف
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا في الأحباس ، ورأى رأي شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في أن الحبس باطل .
وروى
عبد الملك بن عبد العزيز قال : حضرت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا وقد قال له رجل من أهل
العراق عن
nindex.php?page=treesubj&link=4300صدقة الحبس ، فقال : إذا حيزت مضت . قال
العراقي : إن
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا قال : لا حبس عن كتاب الله . فضحك
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وكان قليل الضحك ، وقال : يرحم الله
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا لو درى ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا .
[ ص: 221 ]
وقد روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا قال له
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف بحضرة
الرشيد : إن الحبس لا يجوز . فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فهذه الأحباس أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخيبر وفدك وأحباس أصحابه ؟ فأما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18126حظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت عنه أنه قال : إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة } .
وأما أصحابه : فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير ،
وعائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=46ورافع بن خديج ،
nindex.php?page=showalam&ids=22وخالد بن الوليد ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
وأم سلمة ،
وحفصة ، وقد روى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جماعة ، قالوا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11947إن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ; إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس منه يعني بسمع ، وإني أريد أن أتصدق به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احبس الأصل وسبل الثمرات } . وأشار به إلى الصدقة الدائمة فإنه لو تصدق به
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر صدقة فبيع لانقطع أجره في الحبس ; وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في شرطه : " هذا ما تصدق به
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب صدقة لا تباع ولا تورث ولا توهب ، للفقراء ، والقربى ، والرقاب ، وفي سبيل الله ، والضيف ، وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف غير متأثل مالا " . وجاء بألفاظ مختلفة هذه أمهاتها .
وتعلق
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بأن الله تعالى عاب على
العرب ما كانت تفعل من تسييب البهائم وحمايتها وحبس أنفسها عنها . وهذا لا حجة فيه ; لأن الله سبحانه عاب عليهم أن يتصرفوا بعقولهم بغير شرع توجه إليهم ، أو تكليف فرض عليهم .
فإن قيل : إنما عاب عليهم أن نقلوا الملك إلى غير مالك ، والملك قد عينه الله تعالى في الأموال ، وجعل الأيدي تتبادل فيه بوجوه شرعية ، أو تبطل في الأعيان بمعان قريبة ، كالعتق والهدي ; فأما هذه الطريق فبدعة .
قلنا : بل سنة كما تقدم .
[ ص: 222 ]
جواب ثان : وذلك أن الحبس عندنا لا ينقل الملك ; بل يبقى على حكم مالكه ، وإنما يكون
nindex.php?page=treesubj&link=25316الحبس في الغلة والمنفعة على أحد القولين ، وفي القول الثاني ينقل الملك إلى المحبوس عليه وهو مالك .
فإن قيل : إنما كان يصح هذا لو كانوا معينين ، فأما المجهول والمعدوم فلا ينتقل الملك إليه .
قلنا : هذا يبطل بأربعة مسائل : الأولى المسجد . الثانية المقبرة . الثالثة القنطرة ، قالوا يصح هذا ، وهو حبس على معدوم ومجهول [ وهو الرابع ] .
جواب خامس : وذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة ناقض ; فقال : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=7409أوصى بالحبس جاز ، وهذه المناقضات الخمس لا جواب له عنها إلا وينعكس عليهم في مسألتنا ، ولهم آثار لم نرض ذكرها لبطلانها .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : لَمَّا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى
الْعَرَبَ عَلَى مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا لِلْأُمَّةِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْبَاطِلِ ، وَلَزِمَهُمْ الِانْقِيَادُ إلَى مَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ ، دُونَ التَّعَلُّقِ بِمَا كَانَ يُلْقِيهِ إلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ مِنْ الْأَبَاطِيلِ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : سَمِعْت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : الْحَبْسُ الَّذِي جَاءَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْلَاقِهَا الَّتِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : هَذَا الَّذِي كَلَّمَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبَا يُوسُفَ عِنْدَ
هَارُونَ .
وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبَا يُوسُفَ خَالَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا فِي الْأَحْبَاسِ ، وَرَأَى رَأْيَ شَيْخِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْحَبْسَ بَاطِلٌ .
وَرَوَى
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : حَضَرْت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْعِرَاقِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4300صَدَقَةِ الْحَبْسِ ، فَقَالَ : إذَا حِيزَتْ مَضَتْ . قَالَ
الْعِرَاقِيُّ : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحًا قَالَ : لَا حَبْسَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ . فَضَحِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ ، وَكَانَ قَلِيلَ الضَّحِكِ ، وَقَالَ : يَرْحَمُ اللَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحًا لَوْ دَرَى مَا صَنَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاهُنَا .
[ ص: 221 ]
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا قَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ بِحَضْرَةِ
الرَّشِيدِ : إنَّ الْحَبْسَ لَا يَجُوزُ . فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : فَهَذِهِ الْأَحْبَاسُ أَحْبَاسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ وَأَحْبَاسُ أَصْحَابِهِ ؟ فَأَمَّا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18126حَظُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ } .
وَأَمَّا أَصْحَابُهُ : فَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=55وَطَلْحَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15وَالزُّبَيْرِ ،
وَعَائِشَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=46وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=22وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنَ عُمَرَ ،
وَأُمَّ سَلَمَةَ ،
وَحَفْصَةَ ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ جَمَاعَةٌ ، قَالُوا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11947إنَّ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ; إنِّي أَصَبْت مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ مِنْهُ يَعْنِي بِسَمْعٍ ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْبِسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَاتِ } . وَأَشَارَ بِهِ إلَى الصَّدَقَةِ الدَّائِمَةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ صَدَقَةً فَبِيعَ لَانْقَطَعَ أَجْرُهُ فِي الْحَبْسِ ; وَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ فِي شَرْطِهِ : " هَذَا مَا تَصَدَّقَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَدَقَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُوهَبُ ، لِلْفُقَرَاءِ ، وَالْقُرْبَى ، وَالرِّقَابِ ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالضَّيْفِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا " . وَجَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ هَذِهِ أُمَّهَاتُهَا .
وَتَعَلَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَابَ عَلَى
الْعَرَبِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُ مِنْ تَسْيِيبِ الْبَهَائِمِ وَحِمَايَتِهَا وَحَبْسِ أَنْفُسِهَا عَنْهَا . وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَابَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا بِعُقُولِهِمْ بِغَيْرِ شَرْعٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ ، أَوْ تَكْلِيفٍ فُرِضَ عَلَيْهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا عَابَ عَلَيْهِمْ أَنْ نَقَلُوا الْمِلْكَ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ ، وَالْمِلْكُ قَدْ عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمْوَالِ ، وَجَعَلَ الْأَيْدِي تَتَبَادَلُ فِيهِ بِوُجُوهٍ شَرْعِيَّةٍ ، أَوْ تَبْطُلُ فِي الْأَعْيَانِ بِمَعَانٍ قَرِيبَةٍ ، كَالْعِتْقِ وَالْهَدْيِ ; فَأَمَّا هَذِهِ الطَّرِيقُ فَبِدْعَةٌ .
قُلْنَا : بَلْ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ .
[ ص: 222 ]
جَوَابٌ ثَانٍ : وَذَلِكَ أَنَّ الْحَبْسَ عِنْدَنَا لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ ; بَلْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مَالِكِهِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=25316الْحَبْسُ فِي الْغَلَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُنْقَلُ الْمِلْكُ إلَى الْمَحْبُوسِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَالِكٌ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا كَانَ يَصِحُّ هَذَا لَوْ كَانُوا مُعَيَّنِينَ ، فَأَمَّا الْمَجْهُولُ وَالْمَعْدُومُ فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ .
قُلْنَا : هَذَا يَبْطُلُ بِأَرْبَعَةِ مَسَائِلَ : الْأُولَى الْمَسْجِدُ . الثَّانِيَةُ الْمَقْبَرَةُ . الثَّالِثَةُ الْقَنْطَرَةُ ، قَالُوا يَصِحُّ هَذَا ، وَهُوَ حَبْسٌ عَلَى مَعْدُومٍ وَمَجْهُولٍ [ وَهُوَ الرَّابِعُ ] .
جَوَابٌ خَامِسٌ : وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ نَاقَضَ ; فَقَالَ : إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=7409أَوْصَى بِالْحَبْسِ جَازَ ، وَهَذِهِ الْمُنَاقَضَاتُ الْخَمْسُ لَا جَوَابَ لَهُ عَنْهَا إلَّا وَيَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا ، وَلَهُمْ آثَارٌ لَمْ نَرْضَ ذِكْرَهَا لِبُطْلَانِهَا .