الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الإقالة في السلم ، والبيع في المرض ( قال رحمه الله ) : وإذا أسلم المريض عشرة دراهم في كر حنطة يساوي عشرة ، ثم أقاله السلم وقبض منه الدراهم فهو جائز ; لأنه ما حاباه بشيء فإنه أعاد الكر بالإقالة واسترد منه العشرة التي بمقابلته وهما في المالية سواء ، والإقالة بمنزلة البيع وكما أن البيع الذي لا محاباة فيه نافذ من المريض فكذلك الإقالة .

ولو كانت قيمة الكر ثلاثين درهما ولا مال له غير ذلك ، ثم مات ، فإن كان له مال يكون ثلثه بقدر عشرين أو أكثر جازت الإقالة ; لأن المحاباة تخرج من ثلث ماله ، وإن لم يكن له مال سواه جازت الإقالة في نصف الكر ويقال للمسلم إليه : أد إلى الورثة نصف الكر ورد عليهم نصف رأس المال ; لأنه حاباه بقدر العشرين درهما فإنه أخرج بالإقالة من ملكه جزءا يساوي ثلاثين بعشرة دراهم ، والإقالة في هذا كالبيع فلا يمكن تصحيح المحاباة له فيما زاد على الثلث ولا يمكن أن يؤمر بأداء ما زاد على الثلث من المحاباة ; لأن الإقالة قبل القبض فسخ فلا يمكن أن يثبت فيه ما لم يكن ثابتا في أصل العقد ; لأن الفسخ رفع العقد ، وإنما يرفع الشيء من المحل الوارد عليه لا من محل آخر ، ولا يمكن إبطال في الكل ; لأنها نفذت من المريض في مقدار الخارج من الثلث ، وإقالة السلم لا تحتمل الفسخ ; لأن بالإقالة يسقط طعام السلم ، والمسقط يكون متلاشيا . وفسخ الإقالة إنما يصح في القائم دون المتلاشي فعرفنا أن الإقالة جازت في البعض دون البعض فاحتجنا إلى معرفة مقدار ما جازت الإقالة فيه فنقول : المحاباة بقدر عشرين ، وثلث ماله عشرة ، ولو كانت ثلث ماله نصف المحاباة قلنا : تجوز الإقالة في نصف الكر ويسلم للوارث نصف كر قيمته خمسة عشر ونصف رأس المال ، وهو خمسة دراهم فذلك [ ص: 56 ] عشرون فيسلم للمسلم إليه نصف كر قيمته خمسة عشر بخمسة فتسلم له المحاباة بقدر العشرة .

وعلى طريق الجبر تجوز الإقالة في شيء من الكر بثلث شيء ; لأن رأس المال بقدر الثلث من السلم فيبقى للورثة كر إلا ثلثي شيء يعدل ذلك شيئا وثلثا ; لأنا نفذنا المحاباة في ثلثي شيء فحاجة الورثة إلى ضعف ذلك فأجبر الكر بثلث شيء وزد على ما يعدله مثله فظهر أن الكر يعدل شيئين ، وقد جوزنا الإقالة في شيء وذلك نصف الكر في المعنى ، ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي ثلاثين درهما ، ثم أقاله في شيء ، وذلك نصف الكر في المعنى ، ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي ثلاثين في مرضه ومات فالإقالة جائزة ; لأن المحاباة بقدر عشرة ، وهو مقدار الثلث من ماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية