الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        582 [ ص: 54 ] ( 3 ) باب ما جاء في المعادن



                                                                                                                        543 - مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن غير واحد ; أن [ ص: 55 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية . وهي من ناحية الفرع . فتلك المعادن لا يؤخذ منها ، إلى اليوم ، إلا الزكاة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        12400 - قال أبو عمر : هذا الخبر منقطع في " الموطأ " وقد روي متصلا مسندا على ما ذكرناه في " التمهيد " من رواية الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن رواية غير الدراوردي أيضا .

                                                                                                                        12401 - وجملة قول مالك في موطئه أن المعادن مخالفة الركاز ؛ لأنها لا ينال ما فيها إلا بالعمل بخلاف الركاز ولا خمس فيها ؛ وإنما فيها الزكاة [ ص: 56 ] وهي عنده بمنزلة الزرع يجب فيه الزكاة إذا حصل النصاب ولا يستأنف به الحول ، ولا زكاة عنده فيما يخرج من المعدن إن كان ذهبا حتى يبلغ عشرين دينارا أو مائتي درهم فما زاد فعلى حساب ما ذكرنا عنه في زكاة الذهب والورق .

                                                                                                                        12402 - وفرق مالك بين معادن أهل الصلح ، ومعادن أرض العنوة ; فقال : المعادن في أرض الصلح لأهلها يصنعون فيها ما شاءوا ويصالحون فيها على ما شاءوا من خمس أو غيره . وما فتح عنوة فهو للسلطان يصنع فيه ما شاء وعلى العامل فيه الطالب لفائدته زكاة ما يحصل بيده منه إذا كان نصابا على سنة الزكاة في الذهب والورق .

                                                                                                                        12403 - ومن حجة مالك أيضا في تفريقه بين ما يؤخذ من المعدن وما يؤخذ من الركاز قوله صلى الله عليه وسلم : في حديث أبي هريرة : " . . والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " . فرق بين المعدن والركاز ب " و " فاصلة ; فدل ذلك على أن الخمس في الركاز لا في المعدن .

                                                                                                                        12404 - وقال أشهب عن مالك : الذهب الثابت في الأرض يؤخذ بغير [ ص: 57 ] عمل هو ركاز ، وفيه الخمس .

                                                                                                                        12405 - وقال الأوزاعي : في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء فيما يخرج منه غيرهما .

                                                                                                                        12406 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : في الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخارج من المعدن الخمس كالركاز .

                                                                                                                        12407 - قالوا : وما كان في المعدن من ذهب وفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده منه ما يجب فيه الزكاة فزكاه لتمام الحول .

                                                                                                                        12408 - وهو عندهم فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها . وهو قول الثوري .

                                                                                                                        12409 - قالوا : وكل ما ارتكز بالأرض من ذهب أو فضة وغيرها من الجوهر فهو ركاز ، وفيه الخمس ، في قليله وكثيره على ظاهر قوله : " وفي الركاز الخمس " .

                                                                                                                        12410 - قالوا : وقوله : " المعدن جبار " إنما هو عطف على قوله : " والبئر جبار " ، وليس فيه ما ينبغي أن يكون المعدن ركازا ؛ لأنه أخبر بما هو جبار ، ثم أخبر بما يجب فيه الخمس .

                                                                                                                        12411 - واختلف قول أبي حنيفة في الزئبق يخرج من المعادن . فمرة قال : فيه الخمس . ومرة قال : ليس فيه شيء كالقير والنفط .

                                                                                                                        [ ص: 58 ] 12412 - واختلف قول الشافعي فيما يخرج من المعادن فقال مرة بقول مالك .

                                                                                                                        12413 - وهو قول العراقي .

                                                                                                                        12414 - وقال بمصر : ما يخرج من المعادن فهو فائدة يستأنف فيها الحول .

                                                                                                                        12415 - وهو قول الليث بن سعد وابن أبي ذئب .

                                                                                                                        12416 - ومرة قال الشافعي : أستخير الله في المعادن وخير على القول فيها .

                                                                                                                        12417 - واختار المزني أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يستأنف بها حول .

                                                                                                                        12418 - وأما الإقطاع فهو جائز للإمام فيما لا ملك عليه لأحد من موات الأرض يقطعه من رآه من أهل الغنى والنفع للمسلمين بنفسه أو عمله ، وهو كالفيء يضعه حيث رآه فيما هو للمسلمين أعم نفعا وينبغي أن يكون ذلك على قدر ما يقوم به المرء وعماله .

                                                                                                                        12419 - وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لبلال بن الحارث : أقطعك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تطيقه فانظر ما تطيق منه فأمسكه ، وأذن لي في إقطاع الباقي من يحتاج إليه ، فأذن له فأقطع ما أخذ منه غيره .

                                                                                                                        [ ص: 59 ] 12420 - وليس هذا من فعل أبي بكر ردا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو رأى أن له رده ما استأذن بلال بن الحارث ، لكنه رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف في حين الإقطاع على قدر ما أقطع ، ولو علم من ذلك ما علمه أبو بكر ما أقطعه ذلك كله ومع ذلك فإنه استأذن بلالا ولو لم يأذن له ما أخبره ، وإنما أخذه بطيب نفسه .

                                                                                                                        12421 - ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع ما قد ملك بإحياء أو غيره مما يصح به الملك . ومسارح القوم التي لا غنى لهم عنها لإبلهم ومواشيهم لا يجوز للإمام أن يقطعها أحدا ؛ لأنها تجري مجرى الملك المعين .

                                                                                                                        12422 - ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقطع الدهناء رجلا قالت له قيلة : يا رسول الله إنه مقيد إبل بني تميم وهذه نساء بني تميم من وراء ذلك . فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        12423 - وكذلك لا يجوز للإمام إقطاع ما فيه الرغبة والتنافس والغبطة يختص به واحدا وهو يفصل عنه وللناس فيه منافعلحديثه - عليه السلام - أنه أقطع رجلا ما ليس بالكثير فقيل له : يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد - يعني الكثير - فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية