الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم فيما حازه المشركون من أموال المسلمين ، ثم ظهر عليه المسلمون ، أو أسلم عليه المشركون

في " البخاري " : أن فرسا لابن عمر رضي الله عنه ذهب وأخذه العدو ، فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبق له عبد فلحق بالروم ، فظهر عليه المسلمون فرده عليه خالد في زمن أبي بكر رضي الله [ ص: 70 ] عنه .

وفي " سنن أبي داود " : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي رد عليه الغلام ) . وفي " المدونة " و" الواضحة " ( أن رجلا من المسلمين وجد بعيرا له في المغانم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن وجدته لم يقسم فخذه ، وإن وجدته قد قسم فأنت أحق به بالثمن إن أردته ) .

وصح عنه : أن المهاجرين طلبوا منه دورهم يوم الفتح بمكة ، فلم يرد على أحد داره . ( وقيل له : أين تنزل غدا من دارك بمكة ؟ فقال : وهل ترك لنا عقيل منزلا ) ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وثب عقيل على رباع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فحازها كلها ، وحوى عليها ، ثم أسلم وهي في يده ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أسلم على شيء فهو له ، وكان عقيل ورث أبا طالب ، ولم يرثه علي لتقدم إسلامه على موت أبيه ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث من عبد المطلب فإن أباه عبد الله مات وأبوه عبد المطلب حي ، ثم مات عبد المطلب فورثه أولاده ، وهم أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ، ومات أكثر أولاده ولم يعقبوا ، فحاز أبو طالب رباعه ثم مات ، فاستولى عليها عقيل دون علي لاختلاف الدين ، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فاستولى عقيل على داره ؛ فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وهل ترك لنا عقيل منزلا ) .

وكان المشركون يعمدون إلى من هاجر من المسلمين ولحق بالمدينة فيستولون على داره وعقاره ، فمضت السنة أن الكفار المحاربين إذا أسلموا لم يضمنوا ما أتلفوه على المسلمين من نفس أو مال ، ولم يردوا عليهم أموالهم التي غصبوها عليهم ، بل من أسلم على شيء فهو له ، هذا حكمه وقضاؤه صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية