الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 83 ] الموطن الثالث في انحصاره في ذي الصدق والكذب المشهور أنه لا واسطة بين الصدق والكذب ، بدليل قوله تعالى : { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } وقوله عليه السلام : { من كذب علي متعمدا } لدلالته على انقسام الكذب إلى عمد وغيره ، وقول ابن عباس : كذب نوف أي البكالي ليس صاحب الخضر موسى بني إسرائيل ، ومنهم من أثبت الواسطة ، واختلفوا فيه على أقوال . أحدها : ونقل عن أبي عثمان الجاحظ أن صدقه مطابقته للواقع مع اعتقاد المخبر ، وكذبه عدمهما ، وغيرهما ليس بصدق ولا كذب ، وكأنه أجرى الصدق مجرى العلم فكما أن العلم يتعلق بالشيء على ما هو به من جهة صحته ، فكذلك الخبر ، ويجوز أنه راعى أصله الفاسد في التحسين والتقبيح ، فراعى في كونه صدقا وقوعه حسنا لمفارقة الصدق والكذب في حسن أحدهما وقبح الآخر ، ولا يكون الخبر حسنا إلا مع المخبر بحال المخبر عنه ; لأن تجويزه على خلاف ما أخبر يقتضي قبحه ، ونحن قد بينا أن الصدق قد يقبح ، فلا يجب أن يكون كونه صدقا علة لحسنه ، ككونه كذبا علة لقبحه .

                                                      بل لو كان كونه صدقا علة تقتضي الحسن ، لكان الحسن إنما ثبت إذا انتفت وجوه القبح . الثاني : أن صدقه مطابقته لاعتقاد المخبر سواء طابق الخارج أو لا ، وكذبه عدمهما ، فالساذج واسطة ، والثالث : هو قول الراغب : إن صدقه مطابقته للخارج والاعتقاد معا ، فإن فقدا منه لم يكن صدقا ، بل لا يكون [ ص: 84 ] صدقا ، وقد يوصف بالصدق والكذب بنظرين مختلفين كما لو كان مطابقا للخارج غير مطابق للاعتقاد ، كقول الكافر : أشهد إنك لرسول الله ، ومنشأ الخلاف في هذه المسألة تعريفهم الصدق والكذب . وقال ابن الحاجب : الخلاف في هذه المسألة لفظي ، وقال الهندي : إنه الحق ; لأنه إن عنى بالخبر الصدق ما يكون مطابقا للمخبر عنه كيفما كان ، وبالكذب ما لا يكون مطابقا كيفما كان ، فالعلم باستحالة حصول الواسطة بينهما ضروري . وإن عنى بهما ما يكون مطابقا وغير مطابق ، لكن مع العلم بهما ، فإمكان حصول الواسطة بينهما معلوم أيضا بالضرورة ، وهو ما لا يكون معلوما لمطابقته وعدم مطابقته ، فثبت أن الخلاف لفظي . قلت : يتفرع على هذا الخلاف ما لو قال : لا أنكر ما تدعيه ، وهي عبارة التنبيه " ، أو لست منكرا له ، وهي عبارة " الشرح والروضة " فهو إقرار ، وهذا بناء على أنه لا وساطة بين الإقرار وعدم الإنكار . فإن قلنا : بينهما وساطة ، وهي السكوت فليس بإقرار ، وهو اختيار بعض المتأخرين .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية