الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6053 [ ص: 403 ] 3 - باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل"

                                                                                                                                                                                                                              6416 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو المنذر الطفاوي، عن سليمان الأعمش قال: حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. [فتح: 11 \ 233].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي وقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو الزناد: معنى هذا الحديث: الحض على قلة المخالطة، وقلة الاقتناء والزهد في الدنيا، قال ابن بطال: وبيان ذلك: أن الغريب قليل الانبساط إلى الناس، بل هو مستوحش منهم، إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه فيأنس به، ويستكثر بخلطته، فهو ذليل في نفسه خائف، وكذلك عابر السبيل لا يبعد في سفره إلا بقوته عليه، وخفيف من الأثقال غير متسبب بما يمنعه من قطع سفره، معه زاد وراحلة يبلغانه إلى بغيته من قصده، وهذا دال على إيثار الزهد في الدنيا، وأخذ البلغة فيها والكفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره، وكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "إذا أمسيت.. " إلى آخره، خص منه إلى أن يجعل الموت نصب عينيه، فيستعد له بالعمل الصالح، وحض له على تقصير

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 404 ] الأمل،
                                                                                                                                                                                                                              وترك الميل إلى غرور الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "وخذ من صحتك لمرضك" حضه على اغتنام أيام صحته، فيمهد فيها لنفسه; خوفا من حلول مرض به يمنعه العمل، وكذلك قوله: "ومن حياتك لموتك" تنبيه على اغتنام أيام حياته، ولا يمر عنه باطلا في سهو وغفلة; لأن من مات فقد انقطع عمله، وفاته أمله، وحضره على تفريطه ندمه، فما أجمع هذا الحديث لمعاني الخير وأشرفه، لا جرم أدخله النووي في "أربعينه"، وأوضحناه في شرحها.

                                                                                                                                                                                                                              (فائدة):

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث رواه البخاري من طريق الأعمش، حدثني مجاهد، عن ابن عمر. ورواه الترمذي بزيادة من طريق سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض جسدي، فقال "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور". فقال لي ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا. ثم قال: قد روى هذا الحديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوه).




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية