الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( وكهيئة ، وسوءة ، والسوء ) فقد اختلف عن ورش من طريق الأزرق في إشباع المد في ذلك ، وتوسطه ، وغير ذلك ، فذهب إلى الإشباع فيه المهدوي ، وهو اختيار أبي الحسن الحصري وأحد الوجهين في " الهادي " و " الكافي " و " الشاطبية " ، ومحتمل في " التجريد " ، وذهب إلى التوسط أبو محمد مكي وأبو عمر ، والداني ، وبه قرأ الداني على أبي القاسم خلف بن خاقان ، وأبي الفتح فارس بن أحمد ، وهو الوجه الثاني في " الكافي " و " الشاطبية " ، وظاهر " التجريد " ، وذكره أيضا الحصري في قصيدته مع اختياره الإشباع فقال :

                                                          وفي مد عين ثم شيء وسوأة خلاف جرى بين الأئمة في مصر     فقال أناس مده متوسط
                                                          وقال أناس مفرط وبه أقري

                                                          [ ص: 347 ] وأجمعوا على استثناء كلمتين من ذلك وهما ( موئلا ) ، و " الموءودة " فلم يزد أحد فيهما تمكينا على ما فيهما من الصيغة ، وانفرد صاحب " التجريد " بعد استثناء ( موئلا ) فخالف سائر الرواة عن الأزرق ، واختلفوا في تمكين واو ( سوآت ) من ( سوآتهما ) ، و ( سوآتكم ) فنص على استثنائها المهدوي في " الهداية " ، وابن سفيان في " الهادي " ، وابن شريح في " الكافي " ، وأبو محمد في " التبصرة " ، والجمهور ، ولم يستثنها أبو عمرو الداني في " التيسير " ولا في سائر كتبه ، وكذلك ذكر الأهوازي في كتابه الكبير ، ونص على الخلاف فيها أبو القاسم الشاطبي ، وينبغي أن يكون الخلاف على المد المتوسط والقصر ، فإني لا أعلم أحدا روى الإشباع في هذا الباب إلا وهو يستثني ( سوآت ) فعلى هذا لا يتأتى فيها لورش سوى أربعة أوجه ، وهي قصر الواو مع الثلاثة في الهمزة طريق من قدمنا ، والرابع التوسط فيها طريق الداني ، والله تعالى أعلم .

                                                          وقد نظمت ذلك في بيت وهو :

                                                          وسوآت قصر الواو والهمز ثلثا     ووسطهما فالكل أربعة نادر

                                                          وذهب آخرون إلى زيادة المد في ( شيء ) فقط كيف أتى مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مخفوضا ، وقصر سائر الباب . وهذا مذهب أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الطاهر صاحب " العنوان " ، وأبي القاسم الطرسوسي وأبي علي الحسن بن بليمة صاحب " التلخيص " ، وأبي الفضل الخزاعي ، وغيرهم ، واختلف هؤلاء في قدر هذا المد ، فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرون أنه التوسط ، وبه قرأ الداني عليه ، والطرسوسي ، وصاحب " العنوان " يريان أنه الإشباع ، وبه قرأت من طريقهما ، واختلف أيضا بعض الأئمة من المصريين والمغاربة في مد ( شيء ) كيف أتى عن حمزة ، فذهب أبو الطيب بن غلبون وصاحب " العنوان " ، وأبو علي الحسن بن بليمة ، وغيرهم إلى مده ، وهو ظاهر نص أبي الحسن بن غلبون في " التذكرة " ، وذهب الآخرون إلى أنه السكت دون المد . وعلى ذلك حمل الداني كلام ابن غلبون ، وبه قرأ عليه ، وبه أخذنا أيضا ، وقال في " الكافي " : إنه قرأ الوجهين - يعني من المد والسكت - وهما [ ص: 348 ] أيضا في " التبصرة " ، والمراد بالمد عند من رواه من هؤلاء هو التوسط ، وبه قرأت من طريق من روى المد ، ولم يروه عنه إلا من روى السكت في غيره ، والله أعلم . وإذا وقع الهمز بعدد حرف اللين منفصلا ، فأجمعوا على ترك الزيادة نحو ( خلوا إلى ، و ابني آدم ) ولا فرق بينه وبين ما لا همز بعده نحو ( عينا ، و هونا ) لا خلاف بينهم في ذلك لما سنذكره إلا ما جاء من نقل حركة الهمز في ذلك كما سيأتي في بابه - إن شاء الله تعالى . وأما السكون فهو على أقسام المد أيضا ، لازم وعارض ، وكل منهما مشدد وغير مشدد . فاللازم غير المشدد حرف واحد ، وهو ( ع ) من فاتحة مريم والشورى ، فاختلف أهل الأداء في إشباعها في توسطها ، وفي قصرها لكل من القراء ، فمنهم من أجراها مجرى حرف المد ، فأشبع مدها لالتقاء الساكنين ، وهذا مذهب أبي بكر بن مجاهد وأبي الحسن علي بن محمد بن بشر الأنطاكي وأبي بكر الأذفوي ، واختيار أبي محمد مكي وأبي القاسم الشاطبي ، وحكاه أبو عمرو الداني في جامعه عن بعض من ذكرنا ، وقال : هو قياس قول من روى عن ورش المد في ( شيء ، والسوء ) وشبههما ، ذكره في " الهداية " ، عن ورش وحده - يعني من طريق الأزرق ، وكذا كان يأخذ ابن سفيان ، ومنهم من أخذ بالتوسط نظرا لفتح ما قبل ، ورعاية للجمع بين الساكنين ، وهذا مذهب أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون ، وابنه أبي الحسن طاهر بن غلبون وأبي الحسن علي بن سليمان الأنطاكي وأبي الطاهر صاحب " العنوان " ، وأبي الفتح بن شيطا وأبي علي صاحب " الروضة " ، وغيرهم ، وهو قياس من روى عن ورش التوسط في ( شيء ) وبابه ، وهو الأقيس لغيره والأظهر ، وهو الوجه الثاني في " جامع البيان " ، و " حرز الأماني " ، و " التبصرة " ، وغيرهما ، وهو أحد الوجهين في كفاية أبي العز القلانسي عن الجميع ، وفي " الكافي " عن ورش وحده بخلاف ، وهذان الوجهان مختاران لجميع القراء عند المصريين ، والمغاربة ، ومن تبعهم ، وأخذ بطريقهم ، ومنهم من أجراها مجرى الحروف الصحيحة فلم يزد في تمكينها على ما فيها ، وهذا مذهب أبي طاهر بن سوار ، [ ص: 349 ] وأبي محمد سبط الخياط وأبي العلاء الهمداني ، وهو الوجه الثاني عند أبي العز القلانسي ، واختيار متأخري العراقيين قاطبة ، وهو الذي في " الهداية " و " الهادي " و " الكافي " لغير ورش ، وهو الوجه الثاني فيه لورش ، وقال : لم يكن أحد مدها إلا ورشا باختلاف عنه .

                                                          ( قلت ) : القصر في ( عين ) ، عن ورش من طريق الأزرق مم انفرد به ابن شريح ، وهو مما ينافي أصوله إلا عند من لا يرى مد حرف اللين قبل الهمز ; لأن سبب السكون أقوى من سبب الهمز ، والله أعلم .

                                                          واللازم المشدد في حرفين ( هاتين ) في القصص ( واللذين ) في فصلت في قراءة ابن كثير بتشديد النون فيجري له فيهما الثلاثة الأوجه المتقدمة على مذهب من تقدم ، وممن نص على أن المد فيهما كالمد في ( الضالين ، و هذان ) الحافظ أبو عمرو الداني في جامعه في باب المد ، وهو ظاهر " التيسير " ونص في سورة النساء من " جامع البيان " على الإشباع في ( هذان ) والتمكين فيهما ، وهو صريح في التوسط ولم يذكر سائر المؤلفين فيهما إشباعا ولا توسطا ; فلذلك كان القصر فيهما مذهب الجمهور ، والله أعلم .

                                                          وأما الساكن العارض غير المشدد فنحو ( الليل ، و الميل ، و الميت ، و الحسنيين ، و الخوف ، و الموت ، و الطول ) حالة الوقف بالإسكان ، أو بالإشمام فيما يسوغ فيه ، فقد حكى فيه الشاطبي وغيره ، عن أئمة الأداء الثلاثة مذاهب ، وهي الإشباع والتوسط والقصر ، وهي أيضا لورش من طريق الأزرق في غير ما الهمزة فيه متطرفة نحو ( شيء ، و السوء ) فإن القصر يمتنع في ذلك كما سيأتي ، والإشباع فيه مذهب أبي الحسن علي بن بشر ، وبعض من يأخذ بالتحقيق وإشباع التمطيط من المصريين وأضرابهم ، والتوسط مذهب أكثر المحققين ، واختيار أبي عمرو الداني ، وبه كان يقرئ أبو القاسم الشاطبي كما نص عليه أبو عبد الله بن القصاع ، عن الكمال الضرير ، عنه . قال الداني : المد في حال التمكين التوسط من غير إسراف ، وبه قرأت ، والقصر هو مذهب الحذاق كأبي بكر الشذائي ، والحسن بن داود النقار وأبي الفتح ابن شيطا وأبي محمد سبط الخياط وأبي علي المالكي وأبي عبد الله بن شريح ، وغيرهم ، وأكثرهم [ ص: 350 ] حكى الإجماع على ذلك ، وأنها جارية مجرى الصحيح ، وبه كان يقرئ الأستاذ أبو الجود المصري كما نص عليه ابن القصاع ، عن الكمال الضرير ، عنه ، وهو قول النحويين أجمعين ، وقد نص على الثلاثة جميعا الإمام أبو القاسم الشاطبي .

                                                          ( قلت ) : والتحقيق في ذلك أن يقال : إن هذه الأوجه لا تسوغ إلا لمن ذهب إلى الإشباع في حروف المد من هذا الباب ، وأما من ذهب إلى القصر فيها لا يجوز له إلا القصر فقط ، ومن ذهب إلى التوسط فيها لا يسوغ له هنا إلا التوسط والقصر - اعتد بالعارض أو لم يعتد - ولا يسوغ له هنا إشباع ; فلذلك كان الأخذ به في هذا النوع قليلا والعارض المشدد نحو ( الليل لباسا . كيف فعل . الليل رأى . بالخير لقضي ) عند أبي عمرو في الإدغام الكبير ، وهذه الثلاثة الأوجه سائغة فيها كما تقدم آنفا في العارض ، والجمهور على القصر ، وممن نقل فيه المد والتوسط الأستاذ أبو عبد الله بن القصاع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية